نداء من أب حنون، على لسان كريم، تناقلته وسائل الإعلام، ويتحدث عنه القريب والبعيد، لعله يجد آذاناً صاغية، وقلوباً واعية، واستجابة دون تردد، فهو فرصة سانحة، وغنيمة واضحة لتدارك الأخطاء، والرجوع إلى الطريق الصحيح، وقطع الطريق على الشيطان، وإغاظة العدو وإسعاد الصديق.
ثلاثون يوماً لعمري كافية، بأن يراجع العاقل نفسه، ويزن أمره بميزان البصيرة، ويتأمل في عواقب الأمور ونتائجها، وينظر في مصالحها ومفاسدها، فقد آن الأوان لتصحيح الخطأ، والاعتراف بالذنب، والرجوع إلى الصواب، والتوبة إلى الله، وهذا ليس عيباً، بل هو والله عين الفضيلة، إنما العيب عندما يتمادى صاحب الباطل في باطله، ويستمر المخطئ في خطئه.
إن التراجع عن الخطأ، والاعتراف بالذنب، يجد عند أهل الإيمان موضعاً، وكما قال تبارك وتعالى: {الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} اخوة يوسف -عليه السلام- ساموا أخاهم يوسف أشد العذاب، ألقوه في غيابت الجب، وحرموه وهو طفل صغير العيش بجانب والده، وتسببوا في رقه وسجنه، وعرضوه للفتن، ولكن لما مثلوا بين يديه، وأعلنوا ذلهم أمامه: {قَالَ لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} فعفا عنهم ودعا لهم بالمغفرة. وكذلك يعقوب -عليه السلام- الذي ابيضت عيناه من شدة حزنه بسبب فقد ثمرة فوائده وأحب أبنائه، لما قال بنوه:{قَالُواْ يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ} فاعترفوا بذنبهم بعد حلقات من المآسي، وفصول من الشقاء، عفا عنهم ووعدهم قائلاً:{... سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّيَ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}. يقول ابن مسعود رضي الله عنه: أرجأهم إلى وقت السحر. فالاعتراف بالذنب، والإقرار بالخطأ، وسيلة للحصول على عفو الكرماء، ورضا الرحماء، قدوتهم في ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، ألذي عانى من قريش أشد المعاناة، فقد حاصروه في الشعب حتى أكل ورق الشجر، وخططوا لقتله، وأدموا وجنته وعقبه، وقتلوا أصحابه، فلما نصره الله عليهم، وأمكنه منهم وسألهم في فتح مكة فقال: ما تظنون أني فاعل بكم؟ قالوا: أخ كريم وابن أخ كريم. قال: أذهبوا فأنتم الطلقاء. وأهل الطائف الذين استقبلوا النبي صلى الله عليه وسلم بالحجارة والاستهزاء، وأغروا به الجهلة والسفهاء، جاءه ملك الجبال واستأذنه بأن يطبق عليهم الأخشبين- جبلان في مكة-، قال: لا! لعل الله أن يخرج من أصلابهم من يعبد الله. والأعرابي الذي أخذ سيف النبي صلى الله عليه وسلم وهو نائم تحت السمرة، وشهره عليه، وقال: يا محمد: من يمنعك مني؟ فقال صلى الله عليه وسلم: الله. فسقط السيف من يد الأعرابي. فأخذه النبي صلى الله عليه وسلم، وقال أنت من يمنعك مني فاعتذر الأعرابي له، فعفا عنه صلى الله عليه وسلم. فالعفو هو عادة للكرماء، ومنهج للعظماء، وسجية للرحماء، وهذه المعاني هي من صفات وسمات وعادات ولاة أمرنا في هذه البلاد، وقد تأكدت بهذا النداء، ومازالت الفرصة سانحة وإن فاتت قد لا تتعوض.
( * ) حائل: ص ب 3998 |