Friday 9th July,200411607العددالجمعة 21 ,جمادى الاولى 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "أفاق اسلامية"

« الجزيرة » تفتح ملف.. سلوكيات يرفضها الإسلام «27» « الجزيرة » تفتح ملف.. سلوكيات يرفضها الإسلام «27»
الخمور .. سلابة النعم وجلابة النقم

* الجزيرة - خاص:
الخمور هي أم الرذائل، وتقوض البنيان الاجتماعي، وتجعل الكيان الفردي في مهب الريح، أخطارها تتجاوز شاربها، لتصل إلى أسرته ومجتمعه وأمته آثارها مدمرة عديدة من صحية إلى اجتماعية، ومن دينية إلى أخلاقية اقتصادية، وغير ذلك، ولذا حرم الإسلام الخمر وتوعد شاربها بأشد العقاب.
السطور التالية توضح حكمة تحريم الخمور، وآثارها الكارثية على الفرد والمجتمع، وكيف نظر الإسلام إلى شارب الخمر كإنسان، والخمر كمشروب؟
****
جاء الإسلام ليخلص البشرية من أدران الجاهلية وأمراضها، ويقوم السلوك الإنساني ضد أي اعوجاج أو انحراف عن الفطرة السوية، ويقدم العلاج الشافي لأمراض الإنسان في كل العصور القديم منها والحديث، مما حملته العصور الحديثة بتقنياتها ومستجداتها، وهو علاج تقبله كل نفس سوية، ولا ترفضه إلا نفوس معاندة مكابرة، جاهلة، أضلها هوى، أو متعة زائلة.
وقد استوعبت الشريعة الغراء كل ما قد يقترفه الإنسان من ذنوب، أو محرمات في كل عصر، سواء كانت أقوالاً أو أفعالاً، أو حتى ما يعتمل في الصدور من مشاعر وانفعالات، وأبانت أسباب تحريمها جُملة وتفصيلاً في القرآن الكريم والسنة المطهرة، إلا ان الكثيرين مازالوا يسقطون في دائرة المحرمات هذه، إما جهلاً، أو استكباراً، أو استصغاراً لها، أو بحثاً عن منفعة دنيوية رخيصة واستجابة لشهوة لحظية، بل إن بعض هؤلاء يحاولون الالتفاف على حكم الإسلام الرافض لهذه السلوكيات، بدعاوى وأقاويل هشة لا تصمد أمام وضوح وإعجاز الإسلام في رفضه لهذه الموبقات التي تضر ليس مرتكبها فحسب، بل تهدد المجتمع بأسره.
و«الجزيرة».. تفتح ملف هذه السلوكيات المرفوضة، تذكرةً وعبرةً ووقايةً للمجتمع من أخطار هذه السلوكيات، وتحذيراً لمن يرتكبها من سوء العاقبة في الدنيا والآخرة، من خلال رؤى وآراء يقدمها أصحاب الفضيلة العلماء والقضاة والدعاة وأهل الرأي والفكر من المختصين كل في مجاله..
آملين ان تكون بداية للإقلاع عن مثل هذه السلوكيات التي حرمها الله، قبل ان تصل بصاحبها إلى الندم وسوء الخاتمة.. ولله الأمر من قبل ومن بعد.
******
عصارة أهل النار
يبدأ الشيخ محمد بن صالح المنجد الداعية المعروف الاستدلال على تحريم شرب الخمر بقول الله تعالى: (إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)، مؤكدا أن الأمر بالاجتناب هو من أقوى الدلائل على التحريم، وقد قرن الخمر بالأنصاب، وهي آلهة الكفار وأصنامهم، فلم تبق حجة لمن يقول إنه لم يقل هو حرام، وإنما قال فاجتنبوه!! وقد جاء الوعيد في سنّة النبي صلى الله عليه وسلم لمن شرب الخمر فعن جابر مرفوعاً: (إن على الله عز وجل لمن يشرب المسكر أن يسقيه من طينة الخبال)، قالوا: يا رسول الله وما طينة الخبال؟، قال: (عرق أهل النار أو عصارة أهل النار)، وعن ابن عباس مرفوعاً: (من مات مدمن خمر لقي الله وهو كعابد وثن).
ويتحدث الشيخ المنجد عن أنواع الخمور والمسكرات في عصرنا، فيقول: لقد تنوعت تنوعاً بالغاً، وتعددت أسماؤها عربية أو أعجمية، فأطلقوا عليها البيرة والجعة والكحول والعرق والفودكا والشمبانيا وغير ذلك، وظهر في هذه الأمة الصنف الذين أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عنهم بقوله: (ليشربن ناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها) فهم يطلقون عليها مشروبات روحية، بدلاً من الخمر تمويهاً وخداعاً: (يُخَادِعُونَ اللّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُونَ).
إلا أن الشريعة جاءت بالضابط العظيم الذي يحسم الأمر ويقطع دابر فتنة التلاعب وهو ما جاء في قوله صلى الله عليه وسلم: (كل مسكر خمر، وكل مسكر حرام)، فكل ما خالط العقل وأسكره فهو حرام قليله وكثيره، ومهما تعددت الأسماء واختلفت فالمسمى واحد، والحكم معلوم.
ويورد المنجد موعظة النبي صلى الله عليه وسلم لشراب الخمور، قال عليه الصلاة والسلام: (من شرب الخمر وسكر له تقبل له صلاة أربعين صباحاً، وإن مات دخل النار، فإن تاب تاب الله عليه، وإن عاد فشرب فسكر لم تقبل له صلاة أربعين صباحاً، فإن مات دخل النار، فإن تاب تاب الله عليه، وإن عاد فشرب فسكر لم تقبل له صلاة أربعين صباحاً، فإن مات دخل النار، فإن تاب تاب الله عليه، وإن عاد كان حقاً على الله أن يسقيه من ردغة الخبال يوم القيامة، قالوا: يا رسول الله، وما ردغة الخبال، قال: عصارة أهل النار).
الشريعة حمت الإنسان
ويتفق الشيخ عبدالمجيد بن محمد العُمري مع الرأي السابق مؤكداً أنه كما حمت الشريعة الإنسان من عدوان غيره، والبغي عليه، كذلك حمته من عدوانه على نفسه وإيرادها إلى المهالك، لذا ختمت الكبائر المحرمة (شرب الخمر)، وهي أم الخبائث، ومما يدل ويكفي على عظم جريمة شرب الخمر أن الله سبحانه وتعالى قرنها في الآية الكريمة مع الأنصاب والأزلام التي هي شرك بالله، كما وصفها الله سبحانه وتعالى بأنها رجس من عمل الشيطان: (إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ).
وورد من الأحاديث في التنفير والتحذير من آفاتها أكثر من ستين حديثاً، جمعها ابن حجر الهيثمي في كتابه الزواجر عن الكبائر، ومما ورد في تحريمها ما أخرجه الشيخان وغيرهما عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشرب وهو مؤمن)، وفي رواية للنسائي: (فإذا فعل ذلك فقد خلق رقبة الإسلام من عنقه فإن تاب تاب الله عليه)، وفي ذلك فتح لباب التوبة وإطماع في الرحمة، وروى أبو داود بسنده إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لعن الله الخمر وشاربها وساقيها ومبتاعها وبائعها وعاصرها ومعتصرها وحاملها والمحمولة إليه)، وروى الشيخان وأبو داود والترمذي والنسائي: (كل مسكر خمر وكل مسكر حرام ومن شرب الخمر في الدنيا فمات وهو لم يتب منها لم يشربها في الآخرة)، وروى ابن حبان أيضاً: (من لقي الله مدمن خمر لقيه كعابد وثن)، وروى الحاكم وصححه: (اجتنبوا الخمر فإنها مفتاح كل شر).
ويلفت الشيخ العُمري إلى ضلال من يسمي الخمر بغير اسمها، ويقول إن التحريم خاص بالخمر، متجاهلاً بذلك ما استفاضت الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم به بأن كل مسكر خمر، وهو حرام، كما في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت: سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البتع، وهو نبيذ العسل، وكان أهل اليمن يشربونه، فقال: (كل شراب أسكر فهو حرام)، وفي الصحيحين عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله أفتنا في شرابين كنا نصنعهما باليمن: البتع وهو العسل ينبذ حتى يشتد؟ والمزر وهو من الذرة والشعير ينبذ حتى يشتد؟ قال: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أعطي جوامع الكلم بخواتمه، فقال: (كل مسكر حرام).
ومن الجهلة من لا يرون تحريم المخدرات بشتى أصنافها، فيزعمون أن القرآن لم يذكرها ولم يحرمها، وهؤلاء إما أنهم من المعاندين، أو أنهم من الجاهلين بأحكام الدين، وبالقرآن المبين، فلقد بيّن الله تعالى في كتابه أنه أرسل رسوله ليحل الطيبات ويحرم الخبائث، وفي صحيح جابر أن رجلا من جيشان، وجيشان من اليمن، سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن شراب يشربونه بأرضهم من الذرة يقال له (المزر)، فقال: (أمسكر هو؟) قال: نعم، قال: (كل مسكر حرام، إن الله عهد لمن يشرب المسكر أن يسقيه من طينة الخبال)، قالوا: يا رسول الله وما طينة الخبال؟، قال: (عرق أهل النار، أو عصارة أهل النار، كل مسكر خمر، وكل مسكر حرام)، وفي رواية له (كل مسكر خمر وكل خمر حرام)، وعن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما أسكر كثيره فقليله حرام) رواه ابن ماجة، والدار قطني وصححه.
مضرة في الدين والعقل والمجتمع
ويتوقف العُمري عند آثار ومضار الخمر فيقول: إن الخمر مضرة في الدين والعقل والبدن والمال والمجتمع، فهو يحرم صاحبه نعمة العقل، ويسلبه إياها هذا العقل الذي استحق به الإنسان أن يكون خليفة في الأرض، هذا العقل وهو المنحة الربانية التي يبصر بها الإنسان وجوه الصواب وطرق الرشاد، ويعبد بها ربه، والتي ينوه الله سبحانه بها فيجعلها وقاية من الشرور وسلامة من العذاب يوم القيامة إذا سلمت من الهوى، ويقول الله تعالى في معرض حديثه عن بعض ما يصدر من أهل النار وهم في سعيرها: (وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ)، والإنسان إذا فقد عقله لم يفرق بينه وبين سائر الحيوانات، بل لربما تميز عنه الحيوان في هذا الموقف بعلة الانتفاع، والخمر كما تذهب بالعقل وتخل توازنه فهي تفسد على الإنسان دينه، وقد جعل الفقهاء من شرط صحة العمل العقل، فلا يصح عمله إلا به فهو أساس الدين.
والخمر أيضا مسلبة للدين وجناية عليه، ومن نهاية الخمرة ونتائجها أنها تصد شاربها عن ذكر الله سبحانه وتعالى وعن الصلاة، ومن طريف ما يقال إن امرأة عربية تناولت بعض الشراب فلما لعبت الخمرة برأسها، قالت: أيشرب هذا نساؤكم؟ قالوا: نعم، قالت: زنين ورب الكعبة، كما أن في شرب الخمر إهداراً للمال، وهي نفقة غير مخلوفة، وصاحبها مأزور ومسؤول عن هذا المال الذي أنفقه فيما أنفقه، وكيف به وقد أنفقه فيما حرم الله، وكيف به وقد أنفقه فيما يضر دينه وعقله وبدنه، بل إن مدمني الخمر يصل بهم الأمر في التمادي بما يؤول بهم إلى الفقر والحاجة والإفلاس، وقد يؤول الحال بشارب الخمر بأن يصبح معدوم الغيرة على عرضه وأعراض الناس، فكيف يحفظ فرجه من طار عقله وطاش لبه وضعف دينه وذهب حياؤه، بل ربما وصل الأمر أن يعتدي على أهله من بنت وولد وهو لا يدري ما هو فاعل، لأنه فقد التقدير وخسر عقله وإرادته، وأصبح ضعيف الإرادة، مسلوب الهمة، ومن يشرب الخمر لا يحفظ نفسه ولا يحفظ غيره، فإن سلمت نفسه وغيره من الأذى حال الشرب وعدم التعدي لم يسلم جسده وعقله من تقادم الزمن، ونتيجة لذلك فقد غصت المستشفيات العقلية والنفسية بأهل الخمور ومدمنيها واستفاضت الأقسام الأخرى بمن ابتلوا بالسرطان وسائر الأمراض الناتجة عنها.
شيطان الإنس والجن!
ويقول الشيخ العُمري موجهاً نصائحه إلى المسلمين بأن شياطين الإنس، وشياطين الجن يتكاتفون في مضرة الناس فشيطان الجن كما أخبرنا الله تعالى يريد أن يوقع العداوة والبغضاء بين الناس، ويحرص على أن يصد الناس عن ذكر الله الذي به حياة القلوب، في حين أن شياطين الإنس من جلساء السوء يهونون على جلسائهم المعاصي، ومن ذلك الخمر، ويوحون إليهم أنها تزيل الهموم، وتشفي الأجسام، ومن تهوينهم لها أنهم يسمونها بغير اسمها (مشروباً روحياً)، وهي دمار للروح والعقل والجسم، وهذا الأمر أخبرنا به الصادق الأمين عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم حيث قال: (يشرب أناس من أمتي الخمرة يسمونها بغير اسمها) رواه النسائي وصححه الألباني.
والعجب كل العجب من المسلم الذي أودع عقله بين يدي شياطين الإنس والجن، وصدق بهذا، كيف يقصد الخمر لإزالة همومه وغمومه؟ كما زين له ذلك الشياطين، والله سبحانه رزقه الصلاة وذكر الله: (أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ)، وقدوتنا وأسوتنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه كان إذا همه أمر وحزبه ذهب إلى مصلاه.
وإذا كان لا يجوز للمسلم أن يأكل الطعام الذي وصل إليه بمكسب حرام، فكذلك لا يجوز أن يطعم الخبائث وأن اشتراها بماله الذي وصل إليه بالطرق الشرعية الحلال، فهل شارب الخمر أطاب المطعم، وفي صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (في الرجل يمد يديه إلى السماء يقول يا رب يا رب ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام فأنى يستجاب له)، إن الله إذا حرم شيئاً حرم ثمنه، فبيع المسكرات حرام والعمل فيها والكسب منها حرام، ونقلها إلى شاربها كذلك، كما أنه لا يجوز التداوي بمحرم، قال ابن قدامة -رحمه الله- في كتابه المغني: ولا يجوز التداوي بمحرم مثل ألبان الأتن، ولحم شيء من المحرمات، ولا شرب الخمر للتداوي به، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر له النبيذ يصنع للدواء فقال: (إنه ليس بدواء ولكنه داء)، بل لم يأذن النبي صلى الله عليه وسلم أن تتخذ دواء، فقد جاء رجل يقال به سويد بن طارق يسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الخمر؟ فنهاه عنها، فقال: إني أصنعها للدواء؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنها داء وليست بدواء).
وليس في الخمر منفعة جائزة أبداً، فقد روى مسلم عن ابن عباس: أن رجلاً أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم راوية خمر، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (هل علمت أن الله حرمها؟) قال: لا، قال: فسار رجلاً، فقال له رسول الله: بم ساررته؟ قال: أمرته ببيعها، فقال: إن الذي حرم شربها حرم بيعها) قال: ففتح المزادة حتى ذهب ما فيها، فلو كان فيها منفعة من المنافع الجائزة لبينها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يأذن النبي صلى الله عليه وسلم حتى في الجلوس مع من يشربها، فقال صلى الله عليه وسلم: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يجلس على مائدة يدار عليها الخمر).
الحالة اليوم
ويشخص الشيخ العُمري الحالة التي عليها المجتمعات اليوم فيقول: انتشرت فيه المحرمات بشكل خطير، وصار بعض الناس يجادلون في أمر المحرمات، فيزعمون أن الله تعالى لم يحرم الخمر لأنه سبحانه لم يذكر كلمة التحريم بل قال: (فَاجْتَنِبُوهُ)، وهؤلاء يصدق عليهم قول الله تعالى: (وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ)، فالله سبحانه وصف الخمر والميسر والأنصاب والأزلام بأنها رجس أي قذارة ووساخة يجتنبها المؤمن، والاجتناب معناه الابتعاد التام بحيث يكون المؤمن في جانب بينما الخمر والميسر في جانب آخر، بحيث لا يراها ولا يقترب منها، وقد جاء في الحديث لعن كل من له صلة من قريب أو بعيد بالخمر، وقد ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم في حادث الإسراء أنه قال: (وأتيت بإنائين في أحدهما لبن وفي الآخر خمر فقيل لي خذ أيهما شئت فأخذت اللبن فشربت فقيل لي هديت الفطرة، أو أصبت الفطرة، أما لو أنك أخذت الخمر غوت أمتك)، أخرج النسائي وابن حبان في صحيحه أن عثمان رضي الله عنه قام خطيباً فقال: (أيها الناس، اتقوا الخمر، فإنها أم الخبائث، وإن رجلا ممن كان قبلكم من العباد، كان يختلف إلى المسجد، فلقيته امرأة سوء، فأمرت جاريتها فأدخلته المنزل، فأغلقت الباب، وعندها باطية من خمر، وعندها صبي، فقالت له: لا تفارقني حتى تشرب كأسا من هذا الخمر، أو تواقعني، أو تقتل الصبي، وإلا صحت، يعني صرخت، وقلت: دخل علي في بيتي، فمن الذي يصدقك؟ فضعف الرجل عند ذلك، وقال: أما الفاحشة، فلا آتيها، وأما النفس، فلا أقتلها، فشرب كأسا من الخمر، فقال: زيديني فزادته، فوالله ما برح، حتى واقع المرأة وقتل الصبي).
وابن القيم رحمه الله قال في بيان مفاسد الخمر: هي كريهة المذاق، وهي رجس من عمل الشيطان توقع العداوة والبغضاء بين الناس وتصد عن ذكر الله وعن الصلاة وتدعو إلى الزنا، وربما دعت إلى الوقوع على البنت والأخت وذوات المحارم، وتذهب الغيرة وتورث الخزي والندامة والفضيحة، وتلحق شاربها بأنقص نوع من الإنسان وهو المجانين تسهل قتل النفس، وإفشاء السر الذي في إفشائه مضرته، أو هلاكه كم أهاجت من حرب، وافقرت من غني، وأذلت من عزيز ووضعت من شريف وسلبت من نعمة وجلبت من نقمة وكم فرقت بين رجل وزوجته، وكم أغلقت في وجه شاربها بابا من أبواب الخير وفتحت له بابا من الشر، فهي جماع الإثم، ومفتاح الشر، وسلابة النعم وجلابة النقم، ولو لم يكن من رذائلها إلا أنها لا تجتمع هي وخمر الجنة في جوف عبد لكفي كما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من شرب الخمر في الدنيا لم يشربها في الآخرة).
ويطالب العُمري أفراد المجتمع المسلم بالتعاون للحفاظ على مجتمعهم من خلال الحفاظ على أنفسهم، وإخوانهم وأبنائهم، وذلك بتقوى الله عز وجل والابتعاد عن معاصيه، وبالإيمان وحسن الرعاية ومقاومة هذه الأدواء.
مفاسد الخمر
من جانبها تقول الأستاذة يسرى بنت سالم اليافعي المشرفة المركزية بالإدارة العامة لتوجيه وإرشاد الطالبات، لقد كرم الله سبحانه وتعالى الإنسان على غيره من المخلوقات، فقال: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً)، ومما كرم الله به الإنسان نعمة العقل، الذي يمتاز به عن غيره من المخلوقات، ويميز به بين الخير والشر والضار والنافع، وإذا فقد الإنسان عقله لم يعد هناك ما يميزه عن الحيوان، فبالعقل يفكر الإنسان في آيات الله ويتفقه فيها، وبه يخترع وينتج، كما أن العقل يحمل الإنسان على الفضائل وتجنب الرذائل.
وتضيف الأستاذة يسرى اليافعي: ولمكانة هذا العقل وأهميته نهى الإسلام عن كل ما يعطله أو يخل بوظيفته، ورتب على ذلك عقوبة دنيوية وأخروية، فالعقل أحد الضرورات الخمس التي أجمعت كل الشرائع السماوية على وجوب حفظها، والقرآن الكريم بين لنا مفاسد الخمر، وما يترتب عليها من المعاصي، فهي رجس من عمل الشيطان، وسبب لوقوع العداوة والبغضاء في المجتمع، وتصد عن ذكر الله الذي به تحيا القلوب، وما أكثر ما في الخمور من مفاسد ظاهرة وباطنة، والأحاديث الواردة في تحريم الخمر واضحة وكثيرة، منها قوله عليه الصلاة والسلام: (اجتنبوا الخمر فإنها أم الخبائث)، وقد توعد الله سبحانه وتعالى شارب الخمر بالحرمان من الجنة في الآخرة على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم فقال: (ثلاثة لا يدخلون الجنة: مدمن خمر، وقاطع رحم، ومصدق بالسحر).
ولوقاية المجتمع من أخطار ومفاسد الخمر، جاءت الحدود لردع شاربها، فيجلد أربعين جلدة، وإن عاد لها مرة أخرى يجوز للحاكم الزيادة في التعزير والعقاب، وبالتأمل في النصوص الشرعية يلاحظ أن الشارع تبارك وتعالى قد شرع كل السبل لحماية الأمة وصيانتها من هذا الوباء المهين، سواء التاجر أو الساقي أو الصانع أو الشارب، ثم رتب على شاربها عقوبة دنيوية بالجلد، وتوعده في الآخرة بالحرمان من الجنان، والعذاب الشديد في النيران.. فما أعظمه من منهج للعلاج، وما أنجحه من أسلوب لكل من يتطلع للتوبة، ورضا الله سبحانه وتعالى.
التأثير على الجهاز العصبي
أما الأستاذة نورة الوهيبي المشرفة المركزية بالإدارة العامة لإرشاد وتوجيه الطالبات بالرياض فترى أنه ليس أدل على مخاطر الخمور ومفاسدها من أن الله سبحانه وتعالى قرنها بعبادة الأصنام في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)، ومن ذلك أيضا حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: (شارب الخمر كعابد وثن).
وتضيف الأستاذة نورة الوهيبي: والعقل السليم دائما يقضي بفطرته التي جبل عليها بتناول أسباب الصحة، والحصول على المنافع الدينية والدنيوية، والساعي لما ينفعه ويصونه ويبعده عن كل ما يؤذي البدن ويخل بالصحة، ويوهن القوة ويسبب الأمراض، وقد علم بالمشاهدة وبخبرة الأطباء المهرة والحاذقين مضار الخمر وما تسببه لشاربيها من الأمراض في النفس والعقل والعرض والمال والدين، وهذا من الأسباب التي من أجلها حرم الشرع الخمر.
هذا بالإضافة إلى أن العقل والفطرة السليمة تعي ذلك، فالله سبحانه وتعالى لم يضيق على عباده واسعاً ولم يحرمهم من طيب، فقد أباح لهم من طيبات الحياة وخيراتها ما يزيد على حاجتهم ورغباتهم، فكم في الأرض من كنوز وخيرات وزروع ومشروبات أباحها الله لعباده، ليستفيدوا بها، ولا غرابة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصف الخمر بأنها: (أم الخبائث ومفتاح كل شر)، فمن أضرار الخمر الصحية والجسمية والنفسية : تأثير الخمر على الجهاز العصبي للإنسان، فهي تؤثر تأثيراً مباشراً وغير مباشر، ويصاب مدمن الخمر بنوبات من الرعب والكآبة الشديدة، والقلق، ويفقد التوازن في الأعصاب، وترتجف الأيدي، ويظهر ذلك واضحاً على اللسان، والشفتين، إلى جانب الأضرار النفسية حيث يصاب بنوبات التسمم المرضي ويفقد الشخص القدرة على التمييز، ويحدث ذلك صورة مفاجئة لنوبات الذهانية الحادة، ومقربة النسيان، حيث يفقد الشخص القدرة على استرجاع الذاكرة، كذلك الاضطراب الذهاني العصوي، والشعور بالاضطهاد الشديد، وغيرها من الأمراض التي تؤدي إلى المصحات العقلية.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved