أصبح بإمكان نزلاء سجن غوانتانامو الذين سيقوا إلى هذا المعتقل معصوبي الأعين بعد اعتقالهم في جبال وأصقاع أفغانستان وباكستان الاعتراض على اعتقالهم بعد أن منعت المحكمة العليا الأمريكية إدارة بوش من الإبقاء على هؤلاء المعتقلين في حالة من الفراغ القانوني، ومن ثم فقد وجدت الإدارة الأمريكية أن لديها ما يكفي من مشاكل وفضلت تنفيذ ما أشار به القانونيون، خصوصا، بعد فضائح أبو غريب التي زلزلزت الوجود الأمريكي في العراق الذي يتعرض أصلاً لانتقادات حادة داخل الأراضي الأمريكية وعلى نطاق العالم.
والآن بات على الإدارة الأمريكية أن تتصرف وفقاً لما يقتضيه القانون في غوانتانامو، وأن تذهب إلى آخر الشوط فيما يتصل بتوفير المعاملة الإنسانية القانونية تجاه هؤلاء البشر الذين يقبعون خلف القضبان، وتتسرب معلومات عن أنهم يتعرضون للاذلال.
لقد شكلت تجربة أبو غريب فاجعة ذات أبعاد موغلة في الوحشية والاستهتار بالكرامة الإنسانية ولم تخل غوانتانامو عن فظائع قال عنها البعض إنها لا تقل بشاعة عن أبو غريب، ومن المهم أن لا تتعرض الإنسانية لمآسٍ مماثلة خاصة من قبل الدول العظمى التي يفترض أنها تحافظ على القيم الإنسانية العليا..
وسيكون مفيداً أن تخضع الإجراءات المتبعة فيما يتصل بمعاملة الأسرى وسجناء الحرب لمراجعات على ضوء هذه التجارب المخزية والمهينة للبشر، وإلا فإن العالم يمتلئ بالأشرار حتى على مستوى المؤسسات بما فيها العسكرية وغيرها، فما حدث في غريب لم يكن تصرفاً فردياً وإنما جاء في إطار الأوامر والتوجيهات المتدرجة في التسلسل التراتبي للبناء العسكري.
كما يكون مفيداً أن تسعى دولة مثل الولايات المتحدة إلى تبنى الإجراءات اللازمة لتفادي مثل هذه الممارسات من خلال المحاسبة الدقيقة والحازمة للمسؤولين، لكن إهمال هذا الأمر سيبرهن فقط على أنه هناك من يصنف نفسه على أنه مميز، وأن ما ينطبق على الآخرين ليس بالضرورة ينطبق عليه، أو ربما أنه خارج المساءلة، وهذه عين الفاجعة.
ويحتاج العالم لأمثلة طيبة يتم الاقتداء بها بعد أن تقوضت الكثير من المبادئ تحت وقع الأنانية والقسوة والعنجهية، ويستطيع الكبار في عالم اليوم المبادرة في هذا الميدان لو أنهم تخلوا عن نظرة الاستعلاء على الآخرين ولو أنهم أدركوا أن مصلحتهم تكمن في نشر العدل بين الجميع وأن سلامتهم هي أيضاً من سلامة الآخرين.
|