* القاهرة - مكتب الجزيرة - محمد الرماح :
بدأ العد التنازلي لانتهاء المهلة الدولية الممنوحة للسودان لحل أزمة دارفور، من هنا بادرت الدول العربية بالتحرك لدعم السودان الشقيق في مواجهة الأزمة وبدأت حملة اتصالات دبلوماسية مع كافة الأطراف المعنية بهذه الأزمة ولعل الاجتماع الطارئ لوزراء الخارجية العرب الذي سيشهده مقر الجامعة العربية بالقاهرة مع بداية الأسبوع القادم سيشكل حدود واتجاه التحرك العربي الحالي في دعم ومساندة السودان في هذه الأزمة.
ويدرك الجميع أن مشكلة دارفور أكبر من قدرة وإمكانيات السودان بسبب أن مساحة هذا الإقليم تفوق مساحة فرنسا على سبيل المثال، وتتنوع جغرافيته بين السهول والصحاري والجبال الوعرة والغابات الشاسعة ويقطنه حوالي ستة ملايين نسمة في شكل قبائل عربية وأخرى أفريقية متفرقة في ربوعه، توجد بينها مشاكل وعداوات معقدة وتاريخية على خلفية الصراع على الرعي منذ عشرات السنين، وبالتالي سيصعب على 60 فرداً يشكلون فريق المراقبين العمل في ظل طبيعة الحياة الصعبة بهذا الإقليم المترامي الأطراف بمجتمعاته وقبائله المسلحة التي يحمل فيها الأطفال والنساء السلاح منذ الصغر.
ومن منطلق خطورة هذا الموقف أكدت الدول العربية أن مدة الشهر الذي منحها قرار مجلس الأمن للحكومة السودانية لمعالجة الوضع غير كافية، وكانت الدول العربية تفضل إعطاء مهلة للخرطوم لتنفيذ اتفاقها مع السكرتير العام للأمم المتحدة والذي يقضي بتنفيذ مجموعة إجراءات لعلاج الوضع الإنساني ومتطلباته على مدى 90 يوماً، إلا أن واشنطن تدخلت بمشروع قرارها بغرض التعجيل في معالجة المأساة الإنسانية بدارفور.
ورغم أن وزير الخارجية الأمريكي وقف منذ أيام في وزارة الخارجية المصرية وأعلن أنه يتفهم حاجة الخرطوم لعنصر الوقت إلا أننا فوجئنا بالقرار الأمريكي الصادر عن مجلس الأمن الذي لم يعط الخرطوم غير شهر للتحرك، وهو ما يؤكد على ضرورة عدم الارتكان للإدارة الأمريكية إزاء الوضع بالسودان، حيث سبق أن رفضت أمريكا علناً المبادرة المصرية - الليبية بخصوص السودان وفضلت عليها مبادرة الإيجاد التي تقوم على حق تقرير المصير للجنوب.
ولن يكتب للجهد العربي أن يؤتي ثماره إلا إذا تم احتواء حركتي التمرد بدارفور، وصار لهذا الجهد الكلمة العليا لدى الحركتين، خاصة أن الجميع يتذكر هنا مدى إذعان جون جارانج للرغبة الأمريكية في تفضيل مبادرة الإيجاد على المبادرة المشتركة، ويمكن لتفادي هذا المصير توظيف الرصيد الليبي لدى تشاد في هذا الجهد ورعاية المفاوضات مع الحركتين، كما يقع في المقابل على عاتق الحكومة السودانية أن تتعامل بإيجابية مع حركتي دارفور اللتين دفعهما للتمرد اتفاق ماشاكوس حينما بادرتا بحمل السلاح عقب توقيعه طمعاً في الحصول على نفس مغانم تقاسم الثروة والسلطة مع الخرطوم على غرار ما حدث مع الجبهة الشعبية في جنوب السودان غير أن هذا لا يجب أن يمنع من التحرك على الصعيد الدولي في اتجاه ما تعمد قرار مجلس الأمن أن يتغافله ويتم التشديد والتركيز على ضرورة نزع أسلحة الحركتين على غرار ما يتم من إجراءات مع ميلشيات الجانجويد التي يقال إنها مدعومة من قبل الحكومة السودانية. من جانب آخر لا نجد معنى للجدل الدائر في الخرطوم بخصوص التعامل مع قرار مجلس الأمن الذي صدر بالفعل وحدد الطرق الواجب اتباعها على الحكومة وبالتالي لا جدوى من البكاء على اللبن المسكوب في هذا الوقت العصيب والأجدر بالحكومة السودانية أن تنشغل بالعمل ليل نهار على تحسين الأمور على أرض الواقع في دارفور، وتقوم بزيادة قدرتها الشرطية، وعليها إن اقتضى الأمر طلب المساعدة من دول عربية مثل مصر للمساعدة بشكل سريع حتى ولو في رفع كفاءة عناصرها الأمنية بغرض وقف تداعيات قرار مجلس الأمن الذي هدد باتخاذ تدابير ضد السودان بناء على التقرير المقدم من السكرتير العام للأمم المتحدة يوم 29 من هذا الشهر، وهو ما يستوجب التعامل بكل شفافية مع الأمم المتحدة لإبعاد فرص التدخل الأجنبي وحتى لا يتم إصدار قرار جديد من مجلس الأمن بإرسال قوات إلى دارفور تعمل على تأمين توزيع المساعدات وتوفير الحماية للاجئين، خاصة أن هناك دولاً تسعى لإيجاد موطئ قدم في هذه المنطقة ولا نذيع سراً إذا قلنا إن هناك خططاً قد وضعت بالفعل للتدخل العسكري في السودان ولا أحد يعرف ما الذي تحمله الأيام القادمة.
|