تعد عادات العمل المتواصلة وبدون أخذ أقساط من الراحة من الأسباب الجوهرية إلى الانهيار الكامل في إجهاد النفس والبدن لبعض رجال المال والأعمال، وآن لهم أن يستبدلوا منطق ومبدأ (عش لتعمل) إلى آخر خير منه وأكثر فعالية على المدى الطويل ألا وهو مبدأ (اعمل لتعيش) الفارق بينهما مجز وواضح الأول يعني عمل مستمر، فيه يضيق النظر لاحتمالات المستقبل، وتقفل أمامه منافذ الرؤية السليمة، فيما يعني الثاني أن العمل المنهك ليس بالضرورة انتاجية أكبر، بل قد تتناقص معه فرص الإبداع والابتكار والنجاح لذا فقد يصاحب إجهاد الموارد الذهنية للإنسان في المبدأ الأول حالات من الاستنزاف المباشر تتحول مع مرور الأيام إلى فتور في العزيمة ووهن في الفكر والتركيز وخسائر مالية، ومن هنا كانت إجازات العمل خير وقاية وأفضل تشخيص لتلك العوارض، خاصة في فترة الصيف عندما تتعطل لغة المدارس، وتحين الفرص للتخلص من المسؤوليات الوظيفية المرادفة لحالات التوتر والانفعال، بداية من مكالمات هاتفية مكثفة، ومن ارتباكات حركة المرور الصباحية، ونهاية بمفاجآت السوق وتقلباته، ويبدو أن الاستمرار في بيئة عمل لسنوات عديدة دون ترفيه عقلي أو بدني يترك بصماته العنيفة على كل ما يصاب به المرء في الوقت الحاضر من قلق وهم، فتتلبد فيه النفس ويغم العقل وتتراجع معه الثقة والقدرة على التفاهم والتعامل مع المحيط المجاور، ولمواجهة كل تلك السلبيات يحتاج العامل بين الحين والآخر إلى فترة نقاهة وتنقية أجواء نفسية مختلفة متغايرة عما يعيشه في عمله تنقله إلى آفاق جديدة بعيدة عن أفراح كسب الماديات وأتراح فواتها.
قد يحتاج المرء منا إلى إجازة عمل يتدرب فيها على اكتشاف العوامل السلبية في داخلة المؤثرة على عاداته وسلوكيات سير عمله إجازة لا تكون جسدية فحسب وإنما ذهنية أيضا وبمنظور لا يتم فيه تهميش الألم أو تجاهله أو حتى مقاومته بالمسكنات والعقاقير، ولكن ببساطة الحصول على أيام معدودة للراحة والبعد كلية وقلبا وقالبا على مشاغل وهموم العمل التي لا تنتهي أبدا.
إن النجاح والطموحات هي أمور نسبية تتفاوت من موقع إلى آخر ومن فرد إلى آخر، ومهما سعى الإنسان وحاول تطبيق مبدأ عش لتعمل القاسي قد لا يحقق مستوى أفضل لحياة معتقدة، ولا يعني دائما أنها السعادة لا تأتي إلا بالمال والمال لا يأتي إلا بالعمل المتواصل، على النقيض فالصفاء والصحة الذهنية والبدنية هي الطريق الأقصر إلى النجاح والمستقبل الزاهر لمن يعمل ليعيش.
|