مددت يدي مشيرة، وقلت معرفة: (زوجي) التفت، كان (أسامة) قد ذاب، لا يجدر بي أن اتكلم عن البدايات أولاً.
خططنا للزواج، على شرط لا يعرف أحد، شرطه الذي ظل يلاحقني به، كان مستقراً في بيته، وكنت مستقرة في عملي، الزواج يعني لي متعة التجربة وطي سنوات عجاف بدون رائحة رجل، وصوت رجل، وبيت يدفئه رجل، كما كان يرى أنه عصمة إضافية بالحلال ولها طعم المغامرة والخشية لأنها الزواج الثاني.
لقد عشت أياماً جميلة، جزءاً من همي الزواج إلا أنه لم يكن الهم كله، كنت أسافر وأعمل أقرأ واكتب التقي برجال فكر ونساء على حد سواء، كانت لي بعض لمحات خفيفة لم تخرج عن استلطاف تموت في مهدها.
هو كان نجماً بمعنى الكلمة والوصول للنجم صعب كثير لكنه ليس مستحيلاً، جمعتني وإياه ندوة فكرية له في مصر، كان محاطاً بالكثيرين والكثيرات، وكانت الندوة لها صدى جماهيري، فكان كل من قرأ له أو سمع عنه هناك لا أحب الانزواء لكني لا أحب فرض نفسي، حضرت الندوة واستمعت للنقاش كانت لي مداخلة بسيطة، ثم بعد الانتهاء جررت نفسي حيث انتظر سيارة أجرة، وطال انتظاري إلى أن فوجئت به يقف أمامي بسيارة، ويدعوني لتوصيلي اعتذرت، وبي شيء من غيظٍ كيف يسول له أنني سأركب معه، وليس لي به معرفة شخصية!
هو شخصية معروفة نعم، يتيح نوعاً من فخر نعم مرة أخرى، لكن أركب معه ويوصلني، لا، شكرته ومضى ربما لاحظ استغراباً بعيني لموقفه.
لكن ذاك لم يثنه عندما كنا أنا وأمي في بهو الفندق ان يتقدم ويطلب الجلوس معنا، قدمته لأمي التي كانت تسمع أحاديثه في المذياع ولم تصدق عينيها، فتدفقت أسئلتها عليه، وذكرته بأشياء سبق أن سمعتها، كان سعيداً بها وسعيداً بالحديث معنا، أصرّ أن يدفع قيمة قهوتنا وسمحت له أمي بذلك، التفت لي ليقول: (آنسة ليلى، كانت مداخلتك بوقتها، دقيقة ومختصرة)، شكرته وسلمنا.
ظننت أن الأمر انتهى عند ذاك.. ولكن كان العرض الغريب الذي ثرت بداية منه، ولخمس سنوات وأنا أرفض زواجاً سرياً!!
قلت لنفسي أحدثها: ما العيب الذي بي كي يتزوجني سراً، كل ما يتمناه الرجل يجده بي، أسرة وجاه وجمال وكذا أدب وسعة اطلاع، ولكن السنوات تمضي ولا أحد يتقدم وهو يتقدم وهو يواصل الالحاح وأنا يوماً بعد يوم تفتر عزيمتي ويلين جانبي.
وهكذا تم زواجنا، لابد أن نحرص على صيانة البيت الأول وخاطر الزوجة الأولى ومشاعر الأبناء وخاصة البنات منهم.
كانت لقاءاتنا بالداخل لقاءات بها طابع الخوف والمغامرة، أذهب لقهوة ما ثم يدخل ويسلم وكأنه رآني مصادفة ثم نتأكد لا أحد يعرفنا وتقترب الكراسي.
عندما نشتاق لبعض آخذ إجازة اضطرارية من عملي لألقاه في شقتي الصغيرة البعيدة عن العيون نهاراً.
اعترف أنني كثيراً ما ثرت بداخلي على هذا الوضع لكني أعود وافلسفه بلقاء العاشقين، وفي كل مرة أذهب لالتقي به في الطريق أقول سأصرخ بوجهه وستكون هذه المرة الأخيرة إلا أنني عندما أراه أكون عاشقة بل مراهقة.
عن سفرة نقضيها مع بعضنا تحدثنا قال: القاهرة؟ قلت له: لا، القاهرة كأننا في جدة لا نعدم أحداً يعرفنا أينما اتجهنا ومثلها لبنان.
اتجهت أنظارنا إلى سنغافورة، وهيأنا أمرنا لها، إلا أنه عاد مغتاظاً ليقول: حماه هناك وقررنا أبعد نقطة أستراليا وبالشتاء حيث إن هنالك الدنيا صيفاً حتماً ليس كصيفنا، كانت مشكلة تذاكر السفر تواجهه، فالدرجة السياحية متعبة لرحلة طويلة والأولى غالية جداً لا تتحملها ميزانيته وهو الذي زادت مصاريفه، وقال لي إن زوجته لاحظت منه شحاً، بلعت كلماتي كي لا انفجر - هي زوجته وأنا ماذا أكون؟
وقلت له: أنا سأدفع الفرق بين هكذا كان، كالعادة اتسلل بعده إلى المطار ينتظرني عند الشرطي بعد أن يصرف من أوصله، وهكذا كنا في المطاعم والمقاهي بعد أن اتصل بهاتفه الجوال، ان كان الوضع جيداً رد عليّ وإلا أغلقه فأعرف وانتظر مكالمة منه، دائماً أسير حذرة تحيط بي الشبهات، وتجعل أمي تتذمر وتقسم بالله لو كان ابي على قيد الحياة ما كان ليقبل هذه الزيجة التعسة وتعجب لهذا الرجل ذي الوجهين وجه للجماهير والأنوار ووجه للشوارع الخلفية تلومني أن اقنعتها على الموافقة على زواج سري.
وكنت أمني نفسي بطفل يتكون في داخلي يعيد لي اعتباري، قد يؤلمني أن أشعر كأنني انتقل من جارية لأم ولد، لكن لا بأس طفل يضيء حياتي، اناغيه جنيناً ثم كائناً من دم ولحم بقربي، يجعل أيامي جميلة بانتظار ما يحدث.. لكن الأيام تمر والجنين الموعود لا يأتي.
في أستراليا كان إنساناً آخر هو مجموعة من آباء وإخوة وزوج، كنت سعيدة وكأنني عصفور ينط من شجرة لأخرى، لم ادع شيئاً ينغص عليّ فرحي، كنت العاشقة الأزلية ومجموعة نساء بوقت واحد نتناقش كأصدقاء نرسل الشعر يعبق من حولنا، ونطبخ كزوج وزوجة ونسهر كعشاق ونسيت أنني زوجة سرية تماماً يتسلل لي بأوقات مسروقة لكني عشت العشق كما أحب.. رحت أترنم الأشعار وغصباً عني كان بعضها من شعر الجواري واصدح بأغنيات ما خطرت ببالٍ.
القرية التي اخترناها صغيرة وجميلة تبعد عن سيدني حوالي خمسمائة كيلو متر حذر اكثر كي ننعم براحة بال.
آهٍ يا رجاء ما الذي اتى بك لآخر المعمورة كي تضبطيني متلبسة يعانق ذراعي ذراعه ونلعق المثلجات معاً؟
هل ضاقت بك الدنيا كي تلحقينا إلى هنا؟
مددت يدي وقد جررت ذراعي منه لأقول لها مقدمة إياه (زوجي).
وكان ان ذاب، بحثت عنه في كل الشارع طولاً وعرضاً. ركبني خوف لا أدري كنهه.
أين أذهب؟
الفندق غير موجود به لكن ورقة مهملة على التلفاز كتب عليها (شرط واخللت به، لا تنتظريني).. وقد ترك مئتي دولار استرليني وتذكرتي وجواز السفر.
عدت اجرجر أذيال خيبتي، لم تعد أمي تشتم كما كانت، لعلها تريد أن تخفف حزني بأي صورةٍ، فأخفت عني ورقة الطلاق، ولم تخبرني بما يقوله عندما يسأل: هل صحيح كان تزوجني في يومٍ ما؟ يصمت ويمسح على شفتيه ويقول: (الله يستر على الولايا) لكن عرفت من أقرب صديقة لي وعندما سألت أمي الحقيقة ناولتني صك الطلاق وبلعت همي وقدمت الورقة لصديقتي كي تقرأها فهل يمكن أن يكون طلاقاً بلا زواج؟
قد أكون صدقت أمام صديقتي ولكن أمام كل الناس ماذا أفعل؟، لن انشر إعلاناً بذلك، كي ابيض صفحتي، يستر الله على الولايا كل الولايا..
نعم يستر الله على الولايا، كان حاتم ابن خالتي الذي ترمل منذ سنتين يدق الباب، يفهم الوضع ويسأل، أماً لأطفاله الثلاثة، الذين لم أر أجمل منهم والذين وعدهم الله بأخٍ جديد.
|