الأمير سلطان بن سلمان يرحب صدره بقدر الفضاء الكوني الذي ذرعه في رحلته التاريخية التي ما زلنا نرقب ذكرياتها، وهو فيما أعلم ك(العود) الذي لا يعرف طيبه إلا حين تشعل النار فيه:
لولا اشتعال النار فيما جاورت
ما كان يعرف طيب عرف العود
وأمام رحابة الصدر وكمون العَرْف اقترفت الإثارة والالحاح، وقلت ما بي، والسياحة في بلدي مغامرة محفوفة بالمخاطر والمغامرات، لأنها ممنعة بخطام القيم والأعراف والاستغناء.
لقد سعدت بالرد الموضوعي الهادئ الذي كتبه سموه الكريم على مقالي عن السياحة، وسعدت أكثر بدعوته الكريمة للاطلاع على منجزات الهيئة، وما كنت أشك في عملها ومشاريعها ولكنني عشت واقعاً ما كان لي أن أدعه يمر دون مساءلة وأي منشأةٍ يدعمها الكتاب لا تعد شيئاً، وأي منشأةٍ لا تأنس بتضارب الآراء واختلاط الأصوات حولها ليست ذات بالٍ و(عباس محمود العقاد) حين قدّم لكتابه (عبقرية علي) أشار إلى أن من بوادر العظمة والعبقرية أن يختلف الناس حول الشخصية وما اختلف أحد بمثل اختلاف المفكرين والسياسيين والدارسين حول علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ويكفي أن طائفة أحبته فعبدته وأخرى كرهته فقتلته، وهذا (المتنبي) شغل الناس منذ أن سقط قتيل شعره حتى هذه اللحظة، وويل للسياسي والفنان والمسؤول الذي لا يلتفت إليه الناس ولا تناله الأقلام، ولا تتأصل المذاهب ولا تتكرس إلا بفعل الخصوم، فليطمئن سموه على ما قيل، وما أشار إليه سموه من إنجازات ليست بحال اختلاف، ولكننا قوم نؤمن بمبدأ (خذ وطالب) ومع أنه لا يعرف الفضل لذويه إلا ذوو الفضل فإنه لا مكان عندي لاجترار المنجز، وكيف لي أن اقنع بما تم واقترف جريرة التثبيط، فالذين يبادلون المسؤولين اتحاب الثناء يضعون العصي في عجلاتهم ورغم كل ما حصل فإنني أثمّن جهد الهيئة وأثق بما تنطوي عليه وأحمد للجهات العليا الحرص على وضع الرجل المناسب في المكان المناسب كل ذلك أضمره، ولكنني أظل أطالب وألح في المطالبة وأوقد النار ليعرف طيب عرف العود،
والهيئة بكل ما استعرضه سموه من إنجازات في رده تظل مجالاً للأخذ والرد، والسائح هو الشاهد العدل وبخاصة من تتاح له فرصة التنقل من مكان لآخر، ولقد طفت هذا الصيف في ست دول عربية سائحاً أو في مهمات وخبرت حلو السياحة ومرها، وأحسب أن أمرّها من لا تتوفر فيه متطلبات السياحة، ولسنا بحاجة إلى استعراضها، وحين يكون في النفس حاجة فإن في سموه فطانة.
أقول قولي هذا وأنا على يقين من أن الهيئة وعلى رأسها سموه الكريم قادرة على تحقيق الشيء الكثير وهي قد حققت أشياء ولكنها دون المؤمل:
و(شبابٌ قُنّع لا خير فيهم
وبورك في الشباب الطامحينا)
تحية إكبار وتقدير لرجل قدّر النقد قدره وواجه التّساؤلات بموضوعية ورحابة صدر، وكم نحن بحاجة إلى مسؤولين يقتدون به بحيث لا يثورون ولا يغالطون ولا يناصبون النقاد العداء، وهل هناك أعز عندي من الدعوة الشخصية التي وجهها لي سموه لزيارة الهيئة والوقوف على منجزها إنها الأصالة والأخلاقيات، ومع هذا فلن تدرأ الطيبة لذعات النقد فيما نستقبل من أيام.
|