دائماً تتجه الدول المتحضرة إلى وسائل وأساليب مختلفة لتنمية وتطوير مسيرتها الحضارية، ويعد التعداد السكاني الشامل الاساس الذي دائماً ما يعتمد عليه في التخطيط والتوجيه لتنمية اجتماعية شاملة، ذلك أن التعداد هو القاعدة الأساسية للوقوف على مختلف إمكانات الواقع واحتياجات المستقبل لكل دولة.
وتعد قاعدة البيانات والمؤشرات التي يوفرها التعداد عن أحوال المجتمع الاجتماعية والاقتصادية والصحية مرجعاً لمختلف المشروعات المستقبلية. على أن التعداد لا يقتصر على معرفة أعداد السكان وأحوالهم لكنه يتناول أيضاً أهم الخصائص والتوزيعات السكانية المؤثرة كالتوزيع الجغرافي والتركيب العمري ونوعية الاقتصاد مما يساعد في قراءة الواقع الاجتماعي وطبيعة مستقبله.
وتبرز الأهمية القصوى العلمية والعملية لمشروع التعداد بأنه المصدر الرئيس للمعلومة الدقيقة والشاملة لكل من يعيش في المجتمع السعودي مواطناً كان أو مقيماً.
ومن هنا كانت التوعية بأهمية التفاعل والتعاون مع القائمين على التعداد ذلك أن كل معلومة ندلي بها سوف تخدم بشكل أو بآخر نجاح ورفاهية مستقبلنا عموماً، وذلك من خلال استمارة المسح الشامل والمتمثلة في 62 نقطة تتناول مختلف جوانب حياتنا الذي سوف ينعكس أثره في التوجيه العلمي والموضوعي لمسيرة التنمية السعودية الشاملة.
ومن أبرز الفوائد التي تعكس أهمية هذا المشروع الوطني الآتي:
اولاً: أن التعداد يفصح عموماً عن العدد الأكثر دقة لسكان المملكة العربية السعودية، وهذا الرقم سوف يوضح بالتأكيد معدل الزيادة السنوية للسكان ودقة أعداد المقيمين في السعودية وطبيعة عملهم (مما يجعل الرؤية أكثر وضوحاً تجاه مشاريع مستقبلية تخص التركيبة السكانية للمجتمع وتقدير الحاجة للعمالة وطبيعة المهن- الوظائف التي يشغلونها وتأثيرها على جوانب حياة المجتمع المختلفة، وإذا كنا نسمع ونقرأ تباينا في تقدير حجم السكان وحجم العمالة الوافدة، فإن هذا المشروع الوطني سوف يجيبنا عن هذا التساؤل، وما من شك بأن الأهم بعد ذلك هو توظيف هذه النتيجة بما يخدم مصالح الوطن ومواطنيه.
ثانياً: الوقوف على واقع البطالة الحقيقي في المجتمع ونسبته وطبيعة انتشاره في الفئات العمرية في المجتمع رجالاً ونساءً إضافة إلى معرفة الواقع الوظيفي لسكان المملكة والمقيمين فيها.
ثالثاً: معرفة معدلات الإنجاب في الأسرة السعودية ومتوسطها ومؤشراته المستقبلية من حيث الزيادة التقديرية للسكان عموماً، وما يترتب عليها من حاجة إلى الخدمات، وكل ذلك مهم في قراءة التوجهات المستقبلية لمشاريعنا التنموية.
رابعاً: الحالة التعليمية في المجتمع بمختلف فئاته وجنسياته، وتقدير حجم الأمية ومدى انتشارها وأماكن وجودها، وبالتالي توجيه الجهود لمعالجة ذلك!
خامساً: الوضع الاقتصادي للأسرة السعودية ومعرفة معدلات الدخول للأسرة ومتوسطها، وبالتالي الوقوف على أحد أهم معاني ومؤشرات الصحة الاقتصادية المتمثلة في ذوي الدخول المحدودة المنخفضة والمتوسطة مما يفيد في تبني مشاريع تخدم هذه الفئات وترتقي بواقعهم المعيشي.
سادساً: معرفة عدد من المؤشرات الاجتماعية والصحية التي تخدم النهوض بمستوى الصحة الاجتماعية بمفهومها العضوي والاجتماعي كمعدلات الاعاقة ونوعيتها، وأماكن كثرتها والخدمات الصحية ومعدلات المواليد والوفاة، وأنواع الخدمات الاجتماعية كالكهرباء والماء ومصادرها، وكل ذلك يعين على تقييم الواقع عملياً- ميدانياً، وبالتالي وضع التصورات العلمية الاستراتيجية للنهوض بهذا الواقع.
سابعاً: تعطي الاستمارة المتضمنة للتعداد لهذا العام مؤشرات عن نوعية السكن مادة بنائه ومكوناته وحيازته والخدمات الأساسية فيه، وذلك يفيد قراء المجتمع في نواحي التغير الاجتماعي والثقافي إضافة إلى التخطيط البلدي وتوجيه الخدمات للأماكن الأكثر احتياجاً لها.
ثامناً: أضيف إلى الاستمارة بعداً مهماً له أثره وفاعليته على مستقبل الاقتصاد السعودي والحياة السعودية، وهو ما يختص بتوفير الخدمات الثقافية والسياحية والترفيه..، وكل ذلك سوف يساعد ساسة المجتمع السعودي على استبيان واقع هذه الأبعاد، وبالتالي تنميتها بما يخدم ثقافة ومتعة أجيال المجتمع السعودي.
وعلى كل حال فإن توفر قاعدة معلوماتية بهذه الضخامة على المستوى الوطني سوف يعزز ويعود بجهود مختلفة وإيجابيات غير محدودة سواء للباحثين في الجامعات السعودية، ومؤسسات المجتمع المختلفة أو المسؤولين عن التخطيط للسياسات التعليمية والرعاية الصحية والرفاه الاجتماعي والتخطيط للأمن الداخلي وشئون العمل وتوزيع مشروعات الإنعاش الاقتصادي، وكل هذه الأبعاد تعد من أولويات مسئوليات الدولة التي تعتمد بالدرجة الأولى على بيانات وأرقام إحصائية تساعد المخططين على تلمس الاحتياجات والتعرف على الامكانات ومن ثم رسم الخطة بشكل علمي سليم.
وإذا كان لمختص أن يتحدث عن أبعاد الأهمية الاستراتيجية لمشروع الأحصاء والتعداد فإنها تتلخص في أن (اكتشاف المعلومة لا يعني شيئاً ما لم تستتبع بمشاريع عملية ترفع من مستواها لتحقق معنى الرفاه الاجتماعي للجميع). ومن المهمة أيضاً أن نقرأ المعلومة بطريقة صحية وأن نتعامل معها بإيجابية.
ولعل من نافلة القول التأكيد على أن أهم المؤسسات المعنية بنجاح هذا التعداد الوطني الشامل هي المؤسسات التعليمية والتربوية، وتأتي على رأسها مؤسسات التعليم الجامعي والتربية والتعليم ودور العبادة ذلك أنها مصادر التوعية والتوجيه الاجتماعي، ومنها يجب أن ينتشر الوعي بأهمية المعلومة الدقيقة والتعاون مع هذه المشروع الوطني بل كل مشروع وطني فيه توعية وتنمية وأمن وإصلاح اجتماعي.
ولأجل ذلك كله كان توجيه معالي مدير جامعة القصيم بأهمية الكتابة عن هذا المشروع في الصحافة فشرفني بذلك ليؤكد بأن الجامعة تُعنى بكل ما يمس المسيرة الحضارية للمجتمع بأسره.
اخيراً: أود الإشارة بأن المحصلة الحقيقية للتعداد أن نكون جميعاً أرقاماً فاعلة في المجتمع نشارك بإيجابية، كل في مجاله لتتكامل جهود الجميع لتحقيق تنمية مستديمة تتفاعل مع الواقع وتستشرف المستقبل بكل قوة وثقة واقتدار.
جامعة القصيم - قسم الاجتماع
|