لقد غيّر زلزال 11 سبتمبر المفاهيم الاستراتيجية والأمنية لدى الجميع، العرب والغرب والشرق بل إن التغير شمل أيضاً المفاهيم الإعلامية والثقافية، إذ أخذت الدوائر في هذه الأصعدة تبتعد عن القوالب القديمة الثابتة وتبحث عن المستجدات التي أفرزتها المتغيرات التي تتطلب عدم التعصب إلى الرأي الواحد غير القابل للمناقشة، ومع أن بعض القوى الدولية وبالذات في الغرب وجهات التشدد في العالم الإسلامي ظلت على غيها، بل وأصبحت أكثر تطرفاً فأضافت إلى أفعالها مأسي أخرى تضاف إلى مأساة 11 سبتمبر التي قضت على آلاف الأرواح في الغرب، وأطاحت بسمعة المسلمين، إلا أن المتشددين في الغرب وفي العالم الإسلامي وصلوا نهجهم المستند إلى رؤية الوجه الواحد من العملة دون الالتفات إلى الوجه الآخر، فزاد التطرف في كلا المعسكرين.
في الغرب وبالتحديد في أمريكا يقود المحافظون الجدد تيار التشدد الذي نشر ثقافته وتوجهاته الفكرية التي انعكست حتى على توجهات المثقفين والإعلاميين والصحفيين, فيما تراجع الفكر الليبرالي والواقعي لدى هذه الفئات من المثقفين، فحتى جماعات السلام ومناهضي الحرب والعنصرية لم يعد دورها واضحاً على الساحة الأمريكية في مواجهات التطرف والعنصرية التي تكسب مساحات في الفكر الغربي، على العكس مما يحصل في العالم الإسلامي الذي يتراجع فيه الفكر المتطرف من خلال محاصرة المتشددين ميدانياً بعد اختيارهم الخيار العسكري حيث صُفيت مواقعهم ومراكزهم ويكاد يُقضى عليهم في الجزائر واليمن والسعودية والخليج، وحتى في العراق الذي يتجمع المتشددون محاولين تصوير المقاومة العراقية وكأنها من فعلهم في حين ان ما يقومون به من أعمال تصنّف أعمالاً إرهابية تنفّر العراقيين قبل غيرهم من المقاومة ولا تخدم أهداف المقاومة.
نعود إلى مانريد أن نوضحه وهو أنه فيما تكسب العنصرية والتطرف والكراهية في مساحات الفكر والسلوك الأمريكي بالذات نجد أن العكس هو الصحيح في العالم الإسلامي حيث يحاصر الفكر المتشدد ويكسب الفكر الليبرالي مساحات لايمكن لعين المراقب أن تغفلها بل إن هناك نوعاً من المزايدة أو الغلو فيمن يحسبون أنفسهم من الليبراليين باندفاعهم لتبني الأفكار والأفعال الأمريكية وهو ما نلمسه في (المحللين الجدد) الذين أخذوا يظهرون على شاشات المحطات الفضائية ويرددون كالببغاوات نفس الأفكار الأمريكية ويخلطون ما بين أعمال المقاومة العراقية، والأعمال الإرهابية التي يمكن بوضوح تميزها لكل من يفهم ما يدور على أرض العراق من صراعٍ يتجاوز أرض العراق ليشمل كل العرب والمسلمين.
|