حين لا تؤوب العصافير إلى أعشاشها، فإنَّ ثمة أمراً من اثنين...
هكذا كنتِ تقولين لي... حين يأوي المساء، ولا يأوي عصفوري الذي علَّمتيه كيف ينطلق، ثمَّ يعود...، ومنحتيه أن (يشعر) بحرِّيّة لا تقيِّده... لذلك كنتِ وأنتِ تعلِّمينه تعلِّمينني حتى نشأتُ أمنح الآخر حرِّيتّه حتى إنْ كانت تمسُّ حرِّيتّي...
يا سيِّدتي نوَّارة..., العصفور لا يؤوب إمَّا إن ضلَّ، أو أُحيط به...
لكنَّه أبداً لا يعاف عشَّه حتى إن كان صغيراً معدماً، أو واسعاً مترفاً...
فما الذي أحاط بالعصافير التي لم تَعُد؟
ضلَّت؟ أم أُحيط بها؟
ربَّما ضلَّت لأنَّ الطُّرق غدت موعرة مزدحمة برَّاقة تخطَّت (النَّظر) كما تقول صديقتكِ التي كانت تتوكَّأ على حلمها...
وربَّما أُحيط بها فالمضلِّلون كُثْر...
قلتِ لي يومها: حين يتأخر عصفوركِ صغيرتي لا تيأسي، ثمَّ لا تغلقي الأبواب...
الأبواب المواربة ليست عندكِ أنصاف حلول... بل هي السُّبل الواسعة للسَّماح، وللفسحة...
ما أروعكِ وأنتِ تدرِّبين العصفور فكيف الإنسان على مبادئ الصَّفح والتَّسامح والتماس الأعذار...
اليوم يا نوَّارة كنتُ أتحدَّث إلى صديقتي في هذا الشأن أمنحها من دروسكِ ما يعينها على الصَّبر، فأبوابها لا تزال مشرعة وعصافيرها لم تَعُد...
ثمَّة دموع حسرة وخوف وترقُّب في عينيها... قلت لها إن ضلَّت عصافيركِ فسوف تعود...، فالدُّروب المعتادة يسيرة الولوج ذلك لأنَّها في ذاكرة محمومة بتفاصيلها، يقظة بسبلها...،
وإنْ أُحيط بها، فذات لحظة ستنطلق من عقالها... ولن تجد سوى أبوابكِ المفتوحة نوراً، المواربة غسقاً...
فشنَّفت أُذنيها صديقتي...
تنتظر ثمَّة حركة تعلم بها أنَّ جناحَيّ عصفورها تستقران في العشِّ.
|