أملتُ ورأيت كعدد كبير من المواطنين منذ اللحظة الأولى صباح يوم الثلاثاء الخامس من هذا الشهر المبارك التي قرأت فيها بيان وزير الثقافة والإعلام الدكتور فؤاد الفارسي عبر صحفنا المحلية عن وكالة الأنباء السعودية الخاص بقرارات مجلس الوزراء لجلسته الأسبوعية ليوم الإثنين والمتعلق منها في تلك الجلسة تحديداً بالاستجابة لطلب سمو وزير الداخلية سمو الأمير نايف بن عبد العزيز الموافقة على إجراء تعديلات على بعض مواد نظام منح الجنسية السعودية.. إن في مثل هذه الخطوة تعزيزاً إيجابياً لاتجاه إصلاح وتحديث وتعديل كثير من الأنظمة التي تجاوزتها المرحلة أو على الأقل صارت تتطلبها سنة التغير الاجتماعي في الحياة والتحولات الجديدة التي شهدها ويشهدها مجتمعنا بوتيرة متسارعة في العشرين عاماً الماضية، وهذا مما يحدوني ككاتبة لأن أتوقف بحياد وموضوعية عند عدد من النقاط المتعلقة بالموضوع.
وفي رأيي أن لموضوع تعديل بعض مواد نظام الجنسية جانبين، أود مناقشته من خلالهما ومن ثم أعمل على طرح بعض الأسئلة حول بعض تفاصيل ما جاء في بنود التعديلات وبشكل خاص تلك المرتبطة بموضوع المرأة والتجنس في ضوء الكثير من الآمال التي يعلقها بعض النساء على قرارات التعديل حين يتعلق الأمر بالأسرة والأطفال.
ولمزيد من تسليط الضوء على أهمية الجانبين وتكاملهما في تكوين المشهد الاجتماعي فيما يتعلق بموضع نظام التجنس, ما يترتب عليه وما يؤمل منه وما يرتجى من تعديلاته لتصب في تعضيد اللحمة الوطنية للمجتمع، أبدأ باستعارة بعض تقنيات الإخراج المرئي بالجانب الثاني للموضوع:
الجانب الثاني: وهو الجانب المتعلق بالمستوى الاجتماعي أو الوجه الاجتماعي (لنظام التجنس) فمن المقر به اليوم على مستوى الكثير من الدراسات الاجتماعية التي تعنى بتحليل التحولات الاجتماعية أن القرار السياسي وحده على أهميته لا يكفي وحده لإحداث التطورات الاجتماعية المنشودة.فلا بد أن يتعاضد مع ذلك موقف اجتماعي يساند ويشد من أزر القرارات السياسية الإصلاحية خاصة عندما لا توجد تقاليد اجتماعية سابقة لتجربة إيجابيتها أو المشاركة فيها، ومن هنا تأتي ضرورة أن يصاحب تطبيق القرارات الجديدة تدعيم بالنظم والقوانين من ناحية ومن الناحية الأخرى نشر ثقافة اللحمة الاجتماعية والوحدة السياسية على أساس وقاعدة (انتماء المواطنة) وليس على أساس أي اعتبارات اجتماعية أخرى كالمناطقية أو القبلية والعشائرية أو أي انتماءات فرعية لاحقة أو سابقة غير الانتماء الوطني.
وفي هذا لابد أن يهيأ المجتمع ويكون مستعداً لاحتضان من يحصلون على الجنسية عن استحقاق تقره أنظمة الدولة باعتبارهم مواطنين لهم وعليهم ما على جميع المواطنين السعوديين من التزامات متبادلة بين المواطنين بعضهم البعض وبينهم وبين المؤسسات الحكومية ومؤسسات المجتمع المدني.وذلك لتجنب والقضاء على أي احتمال من احتمالات التعصب أو التنابذ لا سمح الله بين المواطنين بعضهم البعض مما وقعت فيه حتى تلك المجتمعات المتقدمة والتي يتمتع بعضها بحرمة لجميع المواطنين في التساوي أمام القانون بغض النظر عن أصولهم العرقية.
ومن أمثلة ذلك موقف بعض فئات المجتمع الألماني تجاه مكتسبي الجنسية الجدد من أصل تركي أو موقف بعض الفرنسيين من حاملي الجنسية الفرنسية أو المزدوجة من أصل مغربي أو بعض المواقف المشابهة في بريطانيا تجاه مكتسبي الجنسية من أصول هندية وباكستانية وفي أمريكا تجاه الأمريكان من أصول إفريقية أو أخرى غير الانجلوسكسونية.
وباختصار لايخلو من الابتسار فإنه لابد من تعزيز هذا القرار بالمساواة أمام القانون والعدالة الاجتماعية وبتوطين ثقافة التسامح واللاتعصب العرقي أو سواه في سبيل نسيج اجتماعي متماسك ولحمة وطنية في حب الوطن.
الجانب الأول من الموضوع هو ذلك الجانب الذي يتعلق بالسياسات ونقصد السياسات (policy) وليس سياسات بمعنى سياسة (politics) المرتبطة بموضوع توسيع القاعدة السكانية عن طريق وضع تشريعات أكثر مرونة لمنح الجنسية السعودية سواء أكان ذلك للمقيمين من الراغبين فيها ومن ترى المملكة استقطابهم وتجنيسهم، أو جاء ذلك في إطار المعالجة لبعض الإشكاليات المزمنة والعالقة في بعض ما يخص مسألة (الجنسية والتجنس) لعدد من الحالات غير المحدودة تماما وإن لم تحدد أرقامها مثل (حالات البدون), أو الأطفال لأمهات سعوديات وآباء غير سعوديين.
وفي ذلك فإن أمام صاحب القرار في هذا الشأن عدة اعتبارات في مسألة هذا التعديل وما قد يستدعي إضافته مستقبلاً من تعديلات حسب مقتضيات واقع الحال أو المستجدات أو ما يسد بعض الفراغات اللائحية التي لم تشملها التعديلات الحالية لنظام التجنس وما زالت تتطلب معالجة وإعادة نظر ومن هذه الاعتبارات:
* أن لدى صاحب القرار أو من يملك سلطة سن التشريعات وتعديلها, الإضافة عليها أو الحذف منها بعض الأوليات الوطنية ومن أهمها توفير الاستقرارالأمني والسياسي والاجتماعي مع ضمان التطور والتقدم في نفس الوقت للمجتمع،
وبعض شروط هذه العملية المركبة من الاستقرار والتطوير التأمين الكيفي والنوعي لمجانية التعليم النظامي وإلزاميته لجميع البنات والأولاد والفتيان والفتيات في مراحله المختلفة ما قبل التعليم الجامعي وفي القرى والأطراف النائية كما في المدن, التأهيل الجامعي والمهني بشقيه الحكومي والأهلي لكل الراغبين فيه والقادرين عليه من الشباب المطردة أعدادهم , توفير الخدمات الصحية ودعم غطائها التأميني, توفير فرص عمل كافية للنساء والرجال ممن هم في سن العمل بما يكفل الكفاية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية.
* أن تكون المرونة في شأن منح الجنسية بما لا يشتت ولا يعطي الذريعة لتشتت موارد وخطط التنمية المستديمة التي تشمل كافة فئات المجتمع وخاصة ذات الدخول المحدودة بما فيهم من يحصلون على الجنسية باعتبارهم يصبحون مواطنين لهم وعليهم ما للمواطن وعليه من واجبات وحقوق.وفي مقابل الاعتبارين أعلاه فإن هناك اعتبارات أخرى تأتي في حيثيات موضوع نظام التجنس ومن ذلك:
* أن هناك من المقيمين بالمملكة من قضوا زهرة شبابهم في العمل المخلص والمنتج على هذه الأرض ومنهم من ولد عليها ولم يفتح عيونه على سماء غير سمائها وهم لا يحسون بالولاء والانتماء إلا لها اجتماعياً وسياسياً وثقافياً.
* إن المملكة كبلد نام بحاجة إلى تجديد دورتها الدموية ليس بدماء أبنائها من الشباب وحسب بل وكذلك بدماء جديدة من أبناء العالم العربي والإسلامي والمجتمع الدولي ممن يشكل حملهم للهوية السعودية إضافة لتنوع القاعدة السكانية والقاعدة الإنتاجية والمعرفية للمجتمع السعودي وذلك مما ثبتت آثاره الإيجابية في كل مراحل البناء للمجتمعات.
ونجد شواهد ذلك في المجتمعات المعاصرة اليوم كما نجد له شواهد إيجابية في تاريخ الحضارة العربية الإسلامية ويكفي أن نتذكر بعض الأسماء المضيئة التي شكل انتماؤها في حينه للوعاء الاجتماعي لهذه الحضارة إضافة نوعية مثل البيروني والخوارزمي وابن سينا وسواهم.
* وهناك من الاعتبارات أيضا ما يمكن أن يخدمنا به التعديل والتطوير المرن والمدروس لنظام حمل الجنسية السعودية على مستوى التأصيل لمنظومة حقوق الإنسان وجعلنا فاعلين في إقرارها والعمل بها.
* هذا بالإضافة إلى المعالجة التي حان وقتها وحان وقت أن تكون المملكة المبادرة لها مما تعانيه تلك الفئة الاجتماعية العزيزة والأصيلة في النسيج الاجتماعي لبلادنا ولبعض دول الخليج العربي وهم من تعارف على تسميتهم ب(فئة بدون) جنسية الذين نتج موقعهم وموقفهم الصعب فيه نتيجة التقسيمات (الجيوسياسية) التي استجدت في الوطن العربي نتيجة التقسيم والترسيمات الحدودية ما بعد الحرب العالمية الأولى.
* يضاف إلى ذلك ما يخص المملكة في تلك الشريحة السكانية التي تواجه وضعاً ملتبساً آخر خاصة في منطقة الحرمين الشريفين من بعض من سكنوا المملكة تاريخياً كمجاورين للأراضي المقدسة دون أن يكون لهم صفة رسمية للإقامة أو المواطنة.
* ولا يستثنى من تلك الاعتبارات التي يجد المشرع لنظام الجنسية في مواجهتها ليشملها التعديل والتصحيح أطفال الأمهات السعوديات من آباء غير سعوديين سواء في حالة الطلاق لا سمح الله أو في حالة الرغبة بل الحاجة لحمل هوية الأم.لا نشك في أن القرار الأخير الخاص بتعديل نظام التجنس يضع في حسابه بعض هذه الاعتبارات والحالات الإنسانية المعبرة عنها إن لم يكن جميعها إلا أنه من قراءة بنود التعديلات وحدها كما جاءت في البيان الوزاري نجد أن هناك مساحة تسمح بطرح بعض الأسئلة ومن ذلك على سبيل المثال:
* تنص المادة الرابعة عشرة على أنه يترتب على اكتساب الأجنبي الجنسية العربية السعودية ما يلي:
أù - أن تصبح جنسية زوجته عربية سعودية متى قدمت إلى المملكة وقررت رغبتها في ذلك وتنازلت عن جنسيتها.
بù - أن يكتسب أولاده الذين لم يبلغوا سن الرشد الجنسية العربية السعودية تبعاً لوالدهم إذا كانوا مقيمين بالمملكة أو قدموا إليها قبل بلوغهم سن الرشد فهل ينطبق ذلك على النساء كما ينطبق على الرجال، وهل ينطبق أيضا على أبناء وبنات تلك الفئة المعروفة (بدون) في حالة حصول الوالدين أو أحدهما على الجنسية؟ومطلب صغير أختم به هذا الموضوع في مبادرته الحضارية المهمة وهو هل وقد أقر التعديل حق المرأة السعودية ألا تفقد جنسيتها إذا تزوجت غير سعودي أن يكون لأطفالها الحق في الحصول على الجنسية السعودية في حال استمرار العشرة الزوجية وفي حال انقطاعها؟
هذا ولله الأمر من قبل ومن بعد.
|