* أحمد بن عبدالله العرفج:
المتابع للتمثيليات الدرامية والمسلسلات التلفزيونية في واقعنا اليوم - وبشكل عام - يستغرب بل ويقف حائراً أحياناً أمام هذا التركيز الرهيب على إعادة طرح بعض السلوكيات الاجتماعية القديمة التي لا تتوافق وروح العصر الحديث، وغالباً ما تكون هذه السلوكيات من الأمور التي يحتمل الحكم عليها بالتغيير حسب العرف الاجتماعي أو العادة أو التقاليد لكل زمن، وبالتالي فإنه ومن غير المنطق أن نقارن بين سلوك قديم كان مقبولاً في زمن مضى ومتعارف عليه اجتماعياً ثم ننزل عليه رأياً أو اجتهاداً شرعياً لا يتوافق معه زمنياً.
خذ مثلاً الطريقة التي كان يزوج بها الأب ابنته فقد نقل عن أجدادنا أن الفتاة لا تعلم عن هذا العقد إلا يوم القران - بكسر القاف، (الدخلة) ومع أن هذا يعتبر تصرفاً مرفوضاً في هذا العصر إلا أنه كان آنذاك مقبولاً بل وتباركه الأم وبقية الأسرة بعدها.
كذلك تناول الطعام خارج البيت (على قارعة الطريق) أو الشرب واقفاً أمام المارة، كل تلك السلوكيات كانت تعتبر في عرف ذاك الزمن من خوارم المروءة إلا أنه في هذا الزمن يعتبر وكنتيجة لإيقاعات العصر المتسارعة من المسلمات التي لا تقبل النقاش.
لهذا فإن الطرح الدرامي التلفزيوني لهذا النوع من السيناريوهات القديمة أوجد نوعاً من الرفض في أذهان النشء لكل ما هو قديم وإلا - في الحقيقة - ما هي الفائدة من هذا الطرح المبالغ فيه؟ بل إنني أبحث ولا أجد أية قيمة قد تضاف للرصيد المعرفي لدى الجمهور حين يتم تناول بعض السلوكيات التي كانت في ذاك الزمن ولطبيعة الحياة الثقافية مقبولة اجتماعياً (مسألة الزواج المبكر والتعدد وكثرة الإنجاب وتعليم المرأة ونحوها) كان للآباء والأجداد فيما مضى وجهات نظر ونظرات اجتماعية مختلفة عن الأبناء والأحفاد في هذا العصر وليس هذا لأن الآباء والأجداد متخلفون أو قليلو المعرفة كما يحاول الإعلام إظهارهم بل لأن السلوك الاجتماعي والثقافي في ذاك العصر كان داعماً لهذا النوع من السلوك.
في الدول التي تعي الدور الاجتماعي الذي يمكن أن تؤديه الدراما بجميع أشكالها دائماً تجد انها تركز على قضايا اجتماعية معاصرة تعمل على تقييم السلوك العام بهدف تهيئة طريق الوصول للتصورات المدنية المستقبلة.
هذا النوع من الطرح نحن في أمس الحاجة اليه وخصوصاً في هذا الوقت الذي استبيح الكلام فيه عن سلوكياتنا وعن قضايانا الاجتماعية، والمضحك المبكي ان تلك التمثيليات الاجتماعية يتم إنتاجها وتصويرها وإخراجها في بلاد لا تمت لعاداتنا وتقاليدنا الاجتماعية بشيء (إلا اللهم القومية العربية).
لو تم التركيز في المعالجات الدرامية التلفزيونية على تلك السلوكيات الاجتماعية السيئة كالانحرافات الأخلاقية والعنف ومظاهر الإدمان مثلاً من خلال طرح معالجات درامية متزنة تعالج تلك القضايا الملحة بهدف استشراف المستقبل حال القضاء عليها لكان هو الأولى والأجدر خصوصاً في هذه المرحلة الحرجة.
|