كثيرا ما نسمع شكوى يرددها المعلمون ويشاركهم في إعلانها أولياء الأمور ، ألا وهي الشكوى من الحركة الزائدة عند بعض التلاميذ أو الأطفال في المنازل ، وتعليقاً عليه أقول : هناك في علم النفسي ما يعرف (بالنشاط الحركي) ، الذي يعده الاختصاصيون النفسانيون مرضاً سلوكياً ، لأن حركة الطفل عندما تزيد على معدلها الطبيعي وتتحول إلى (قلق) يرهق المعلمين والوالدين فهي بذلك مرض سلوكي يعانيه ذلك الطفل.
في المرحلة الابتدائية يشعر بعض المعلمين بهذا السلوك المرضي عند بعض تلاميذهم ، وكثيراً ما يرون أن نشاطهم الزائد يشغلهم عن أداء مهامهم لأنهم يستمرون في معاتبة ذلك الطفل الحركي ، وأحياناً يقطعون تسلسل شرحهم الدرس ليطلبوا منه أن يهدأ ويتابعهم وينتبه ويركز في الشرح.
ولعل من الملاحظ أن النشاط الحركي يكثر في الأطفال الذكور منه في الأطفال الإناث ، ولذلك شكوى الآباء والمعلمين تزيد من أن أطفالهم لا يستقرون في مكان واحد ويتنقلون من مكان لآخر ، وقد يلحظ المعلمون أن تلاميذهم ممن يعانون زيادة في الحركة كثيرا ما يضيع تركيزهم أثناء الشرح للدرس وعند التفاتهم تجاه السبورة ، يجدها الطفل فرصة ليقفز ويقوم بحركات ويقوم بأعمال فوضوية تجعلهم يفقدون صوابهم ويهمون بمعاقبتهم.
وأنا في الحقيقة أعارض استعمال العصا في ميدان التعليم واعارضها بشدة في مرحلة الصفوف الأولية ، وذلك من منطلق ان الضرب لا يصلح أن يكون علاجاً ناجحاً في طرد السلوك المرضي على الإطلاق ، كذلك ما أتمنى أن يعرفه المعلمون أصحاب الشكوى من نشاط بعض تلاميذهم الحركي الزائد عن هذه بأنهم - الأطفال - قد يمكن إرجاع نشاطهم ذلك إلى مجموعة من الاضطرابات النفسية والانفعالية ، أو يرجع إلى معاناة مرضية عضوية في السمع أو البصر وقد يكون مرده إلى أسباب أسرية مثل التربية العنيفة ، أو الوراثة من أحد الوالدين أو نتيجة لصعوبات اجتماعية.
ولذلك فالضرب لا ينفع من أجل جعل التلميذ أو الطفل صاحب الحركة الكثيرة والنشاط الزائدة هادئاً ، ولكن ما ينفع هو استغلال هذا النشاط في خدمة وتحويل انتباه التلميذ الشقي إلى ممارسة نشاط تدريبي ، واستغلال حصص النشاط لعلاج سلوكياته من خلال تشجيعه على الرسم أو الذهاب به إلى المكتبة ومساعدته في انتقاء قصة ليقوم بقراءتها ، وهذا هو العلاج التربوي لمثل هذه الحالات ، وأنا على يقين لو وجد ( النشاط المدرسي ) عناية مديري المدارس ورعاية المعلمين القائمين عليه ، ووفرت له الإمكانات وصرف عليه جزء مدخولات المقصف المدرسي لحقق أهدافه النبيلة في تلاميذنا.
فالمعلمون وكذلك أولياء الأمور كلهن ملزمون بحسن التعامل مع أولادهم وتلاميذهم ، وان يجتهدوا في علاج كل سلوك مرضي منذ البداية وبالطرق والأساليب المناسبة لهم ، وخلق أجواء منافية صحية تقوم على اشعار الصغار بحقهم في التعبير وفي الحديث وفي الحصول على احتياجاتهم النفسية والعاطفية ، وأن لا يسارع المعلمون أو أولياء الامور إلى اخذ العقاب كحل سريع وناجح في إقصاء اي سلوك ، لان العقاب البدني يبقى حلاً مؤقتاً ثم ما يلبث الطفل الصغير المعاقب حتى يعود بسرعة وبعنف أكبر إلى ممارسة السلوك ، تعبيراً عن تحديه لمن عاقبه من هنا سندرك لماذا يكثر العنف الطلابي في مرحلة المراهقة ، لأنها مرحلة صعبة تتطلب أسلوبا صحيحاً في عملية التربية والتعامل مع أبناء المرحلة العمرية الأصعب في حياتهم.
|