ودعت جازان وصنبة بالتحديد قبل فترة علماً من أعلامها ورجلاً ترك بصمات واضحة على شباب جيله وأهل قريته هو الأستاذ علي محمد صغير فقيه، رجل قاد دفة التعليم في قريته ومنطقته كأستاذ ومدير لأكثر من ثلاثين سنة، عرفته أستاذاً لي، كان أنموذجاً للمعلم الصادق، كان دائم البشر جميل المظهر، الابتسامة الصادقة لا تفارق محياه، من خالطه أحبه، ومن قصده في حاجة لباها له، صبوراً محباً للخير باذلاً في وجوه البر والإحسان، عرفته كذلك زميلاً ومديراً لي في التعليم لمدة أربع سنوات، لم أسمع منه كلمة جارحة أو أرى منه سوء تصرف، أول من يدخل المدرسة وآخر من يغادرها، حاز على نجاحات عدة وأنجز إنجازات كثيرة، كُرم على مستوى مدراء المنطقة، وعلى مستوى المملكة، رأيته وسمعته يطلب حصص القرآن الكريم ليدرسها لطلاب المتوسطة، حباً لكتاب الله، مع أنه مدير لمدرستين، كان خطيباً للمسجد الجامع، كلماته تلامس شغاف القلوب، ونصيحته محببة للنفوس، كان محباً للناس فأحبه الناس ومشوا في جنازته وعادوه في مرضه، وترحموا عليه بعد موته، كان عطوفاً على الطلاب، رفيقاً بهم، كان يعطي بعض الطلاب فسحتهم من جيبه الخاص وقد رأيت هذا بعيني مرات ومرات دخلت عليه ذات مرة وهو يبكي في إدارته على زميل لنا توفي وهو راجع من مكة بعد أداء العمرة، كان يطعم المساكين ويحضر إفطار الصائمين من منزله ليفطر الغريب والمسافر وابن السبيل في المسجد الجامع.
وبينما هو في تألقه ولَمْعِه وشموخه إذا يصاب بمرض عضال فجأة ودون سابق إنذار، فيضرب مثالاً للمؤمن الصابر المحتسب، اتصلت عليه وهو في المستشفى في جدة لأصبره وأجلّده على مصائب الدنيا وإذا به يوعظني وينصحني وزرته في مستشفى التخصصي في الرياض وهو للتو قادم من الغسيل الدموي، وإذا هو يبتسم، وإذا بالممرضة تقول له بالإنجليزي، تضحك وأنت تموت، فعندما سأل عما قالت: فأعلمناه بقولها، فزاد ابتساماً من قولها وكأنه يقول لها، الموت بيد الله. حضرت الجموع الغفيرة من القرى المجاورة وازدحمت الطريق المؤدية لمسجده لتؤدي الصلاة عليه والجميع يترحم عليه ويذكره بخير ويثني عليه، فرحمك الله يا أبا محمد تبكيك مدرستك وأهلك وطلابك وحلقات الذكر التي كنت تجلس فيها لقد فارقتنا بعدما تركت بصمات من نور وبلغت أشدك. كنت بحق (علو في حياتك وعلو بعد مماتك) - إن شاء الله -، فرحمك الله رحمة واسعة وأسكنك فسيح جناته وجزاك خيراً على ما قدمت وبذلت.
ص.ب 70630/ /الرياض 11577 |