* تقرير / سليم الحريص:
.. التخطيط السليم وسيلتنا لبلوغ أهدافنا والوصول بمركبنا إلى شواطئ آمنة.. خاصة حين نضع قاعدة نبني عليها ونضيف لها من واقع تراكمات التجربة والخبرة واستقراء لثوابت ومتغيرات نعيشها ضمن حلقات مترابطة في مسيرتنا التنموية والتحديثية حين يكون التخطيط متكامل العناصر نعلم بأننا حققنا.. عالجنا وقضينا على مشكلة أو جملة مشاكل.. لكننا حين نغفل أحد أضلع المثلث فإن التخمينات لا تتوقف.. التوقعات متضاربة.. ونأمل ألا تكون النتائج فيها سلبيات كثيرة.. بالتأكيد ستكون سلبيات ولكن المؤمل أن تكون في حدودها الدنيا.. وهنا تكمن العلة.. وهنا أيضا تولد الكثير من العلل الصغيرة التي سرعان ما تكبر بل تتفاقم.. وتأتي بمشاكل مضافة وجديدة لم نتوقع بروزها أو ظهورها بشكل معمق. ولم نتحوط لها في تخطيطنا السابق أو المرحلي.
.. قادني إلى هذا التقديم تلك الصورة التي نراها ونشاهدها كلما طافت أقدامنا شوارع القريات وأحياءها المختلفة. منا من يرى هذا الشكل أو هذا الوضع بمنظور عادي دون أن يعني له شيئاً بينما هناك من يرى بعمق وشمولية ويدرك بأن هذا الوضع خطأ وأن تلك الصورة سلبية ينتقد ما يراه دون مواربة.. ما يشاهد لا شك أنه نتيجة طبيعية ومولود شرعي لوضع القريات التخطيطي.. لن أقول بأنه سيئ ولن أثني عليه لسبب واحد ووحيد هو أنني لست بالمتخصص أو التقني المحترف.. لكنني أحكم من خلال ظواهر الأمور والأشياء البينة التي هي بالتأكيد القطعي الذي أوصلنا إلى ما نعاني منه اليوم من اختناقات مرورية وتقاطعات الشوارع المتعامدة.. إن ما نراه ونشاهده ما هو إلا نتيجة طبيعية لمساوئ تخطيطية سابقة التي سميت حينها (التخطيط الشبكي).
****
.. ينبغي لي.. أن أسجل هنا أن القريات أول مدينة جرى تخطيطها في المنطقة الشمالية منتصف الثمانينات الهجرية وهنا يجب إضافة هذ الأمر لأولوياتها المعروفة.. وأسجل هنا اعترافي أيضا علمي بأن كل عمل في بدايته قمين بالأخطاء وهذا ليس معيبا بقدر ما نرى أن العيب بقي ملازما لما لحق من مراحل تخطيطية ومخططات جديدة. كان الأحرى أن تعالج ما ظهر من عيوب وما تبين من مساوئ تخطيطية بمحاولة تجاوز تلك الأخطاء ومعالجتها في المراحل اللاحقة. ومثل ذلك المكاتب الهندسية بالقريات التي تنسخ من المخططات السكنية وتقولبها وفق رغبة الزبون دون أن تعمل على الابتكار وتبني مخططاتها وتصمم وفق منظور هندسي صرف وعلى أسس هندسية وعلمية صحيحية، كفحص التربة وغير ذلك.. لكن ما يتضح أن أكبر هم لها هو الكسب ولا غير.. المهم.. كثيرون رأوا أن شوارع القريات جيدة جداً مقارنة مع مدن غيرها.. سواء في استقامتها أو في اتساع البعض منها وكونها عاملاً ًمهماً في سهولة وانسيابية الحركة، ولكن.. ما الفائدة حين أرى ما يزعجني أنا وغيري عند تقاطعات الشوارع حيث تتجلى صور من الارتباك.. الخلط.. الضيق لوسائل النقل في التقاطعات التي تبدو كعنق الزجاجة التي تظهر وبجلاء عدم قدرة هذه السيارات على الانعطاف بمرونة أو على السير بسهولة مثلى وانسيابية لا تعيق ولا تعرقل الحركة.. وما نراه اليوم مزعج ومقلق.. فكيف تكون الحال في قادم الأيام؟؟ هل نبحث عن حلول في نزع الملكيات؟؟ في وقت كان الأمر ملك يد المخطط.. بين فرجاره ومسطرته.. لا عائق أو معوق أمامه إلا النظرة الملازمة له حين ذاك.. والرؤيا الثاقبة التي لم تكن معه على أي حال!! والصورة التي نراها ونشاهدها دليل على ما أقول.
.. هذه لوحة من الواقع الذي أتحدثُ عنه.. إنه الشارع الرئيسي (شارع الملك فيصل) الذي يعتبرقلب المدينة.. يعاني تلبكاً مرورياً شبه دائم وخاصة من زاوية الإشارة الضوئية المحاذية للبنك العربي الوطني وحتى (الدوار المائل) الذي تقع على جنباته كثير من مصالح المواطنين كالبنوك والمتاجر.. شارع بعرض (25) متراً باتجاهين تقتطع منه (غابة السيقان) وأعني أعمدة الكهرباء الهوائية حيزاً التي أعتقد بأنها ستبقى حالة ملازمة لنا ومستمرة معنا إلى ما شاء الله فأي مساحة تبقى لوسائط النقل المتحركة ومواقف جانبية لمن يريد أن يقضي حاجته.. شارع رئيسي بهذه الأهمية بهذا الاتساع!!! نعلم أنه لا مجال لتوسعة لا تأتي إلا بنزع الملكيات وهذا يتطلب اعتمادات مادية ليس من السهولة توفرها أو اعتمادها.. إذن.. أليس من الأجدى تحويله إلى جادة للمشاة فقط أو أن تعذر ذلك يجري تحويله إلى مسار واحد وتحويل حديقة (نجد) ذات الأرض الصخرية التي لا طائل من زرعها واستنبات أشجار سيطول انتظارنا لإثمارها كثيراً.. الذي لن يأتي على كل حال.. في جعلها مواقف للسيارات!!!.
.. الصورة الأخرى هي كثرة التقاطعات المغلقة بالدشم الخرسانية التي جاء غلقها كنتيجة طبيعية لكثرة الحوادث المرورية المميتة أو استخدام المطبات الصناعية في محاولة للحد من تلك الحوادث.. ليس تقاطعاً واحداً.. بل أكثر وأكثر.. هنا يتضح الخطأ التخطيطي فلو كانت هذه التقاطعات ذات سعة وفسيحة لأمكن جعلها دواراً أو ميادين تستوعب الحركة المرورية مع ظهور هذه التقاطعات بالمظهر الجمالي واللائق.. إلا أن الدشم الخرسانية جاءت بديلاً للدوار أو الميدان بكل القبح والتصحر. وحين تطالع صوراً أخرى تشاهد أن بعض الأرصفة والمحاذية للإشارات الضوئية تضيق الخناق على من يريد الانعطاف باتجاه اليمين.. ويمكن معالجة هذا الخلل بالإنقاص من عرض الرصيف قبل الإشارة بمسافة لا تقل عن ثلاثين متراً ويكون مسرباً للمتجه إلى اليمين وهذه الصورة تشاهد جوار البنك العربي أو تقاطع شارع مكة المكرمة مع شارع الملك خالد وأيضا تقاطع شارع الأربعين مع شارع مكة المكرمة أيضا الذي يرى فيه أكثر من خطأ سواء زوايا التقاطع أو حدة الزاوية وتعامد التقاطع مع بعضه وكأن الشكل يوحي بأن هذا التصميم معد لمدرسة تعليم القيادة على وجه الخصوص.. وحين ترى الصورة الأخرى وهي كثرة الأشجار وسط الشارع وبشكل يحجب الرؤية عن السائقين وتشكل خطراً على المشاة، وهذا جانب أما الجانب المهم فهو استزراع (شجيرات القطف والرغل) فأي جمال بهذا الصنف من الشجيرات؟؟ وأي بهاء ومنظر يضفيه على الشارع؟؟ بل بالعكس فإن شجيرات القطف أضحت سلة للنفايات وقصاصات الورق والعلب الفارغة عند التقاطعات!!.. اضافة الى ان هذا النوع لا يصلح إلا للمناطق الصحراوية ولا يهيم به أو يعشقه إلا الثعابين والحيات فهو ملاذها الآمن.. أما لشوارع المدن فليس هناك أقبح من مشاهدة القطف أو الرغل يستنبت على جنباتها؟؟ فهل يعتقد من طرح فكرة غرس هذا النوع من الأشجار بأن شوارعنا أصبحت مراعي للإبل أو الأغنام..؟ كنت أتمنى من الأخ المهندس فارس مياح الشفق رئيس بلدية القريات وقد عرفته متقبلاً لكل الآراء ومصيغاً للملاحظة أن ينهي هذا الأمر باستبدال هذا الصنف من الشجيرات إلى أنواع أخرى عرف عنها تأقلمها مع كل الظروف البيئية والجوية كي تعطي الشوارع منظراً مخضرّاً لا كما نراه من (شهاب يعطينا الاكتئاب) وهو في لونه يحاكي الشيب حين يستوطن مفرق الرأس.
.. إن الوضع يتطلب إعادة النظر في وضع قائم.. يحتاج إلى دراسة معمقة ومبينة على أسس وينهي حالة ترى على أنها مستعصية.. وهي بالجدية والسعي لإيجاد الحلول يبقى حلها أسهل وأيسر وفي متناول اليد.. لكن إن استمر الوضع على ما هو عليه ونعالجه (بالبنادول والفيفادول) سيستعصي في قادم الأيام ولن تجدي معه كل السبل.
.. هناك من يرى بأن القريات أحوج ما تكون اليوم لإعادة تخطيطية.. شوارعها تحتاج لهيكلة جديدة وصياغة جديدة.. تستشرف المستقبل وتبني لغد.. لا أن تبني لليوم فقط وتترك الغد مع وقته أو أن تقول بأن الغد له علاج ومعالج في وقت آخر.. هذه مدينة وليست مسكناً تستطيع هدمه وإزالته في أي يوم ومن ثم تقوم بتخطيطه وفق حاجتك.. فما يرسى اليوم فيها ليس من السهل تغييره أو تعديله.. مهما حاولنا ومهما بذلنا لعلاجه.. هذه صور عما رأيت وعما سمعت نقلتها بأمانة وأنا على ثقة بأنها ستجد من يقرأها بعمق ويوجه بما يقتضيه الحال والمصلحة العامة .
|