تراجع الاهتمام بالعمل في المجال الإنساني لا تخطئه عين ولا ينكره أي ادعاء، لا سيما الأعمال الاجتماعية المرتبطة بالأسرة.. تلك التي تنطلق من المجتمع، نحو أفراده ممن هم بحاجة إلى مواقف إنسانية مضاعفة تعينهم على مصاعب الحياة.
يسعى العديد من الباحثين للفت الانتباه إلى فرضية خطيرة تؤكد أن المجتمع - وهو الأسرة الكبيرة - يفقد علاقاته بنفسه بشكل يدعو للقلق، لأن انعدام قيام مؤسسات خدمية فاعلة ترعى الجانب الإنساني في المجتمع بدأ يؤثر سلبا على العلاقة، فلم يعد متداولا بين أفراد المجتمع إلا تلك العلاقات التقليدية الذائبة، مثل قُبَل العيد أو تحايا المجاملات العابرة.
فلم يقتصر الأمر على ما يقوله الدارسون والباحثون والمنظرون إنما بدأ يستشعره أي فرد من المجتمع، فتجد أن أي مدينة من مدننا لديها إشكالية هذا التغريب والعبث المجاني في حياة المجتمع، فلم يعد الاحتفاء بالإنسان فاعلا، بل إن كل جيل يأخذ على عاتقه مهمة تهميش الآخر، فلم تعد ترى من هذه العلاقات سوى حضور الأفراح في الليل وتقديم العزاء في النهار، ومن أراد أن يلتفت إلى هذا المثال الواقعي سيجده في أقرب فرصة وهي إجازة عيد الأضحى بإذن الله.
خطورة الأمر أننا شرعنا في المجاهرة في القطيعة والعقوق فأصبحنا نقول: هذا للجيل الجديد، وهذا للقديم.. هم أهل الماضي ونحن جيل الحاضر وهؤلاء جيل المستقبل، ليحدث هذا التقسيم شللاً في العلاقة بين أفراد المجتمع بعضهم ببعض ما تسبب في هذا العقوق الواضح حيث حول العلاقة بيننا - للأسف - إلى مجرد لونين فقط هما: تقديم واجبي التهاني العابرة في الأعراس، والدعوات بالرحمة والمغفرة في أماكن العزاء.
|