تسود دول مجلس التعاون حالة من التفاعل والاهتمام الرسمي والشعبي مع اقتراب انعقاد القمة الخامسة والعشرين لدول مجلس التعاون الخليجي التي تستضيف فعالياتها مملكة البحرين، انتظاراً لما يسفر عنه اللقاء المرتقب لأصحاب الجلالة والسمو قادة دول المجلس أو ما ينوب عنهم، من نتائج وقرارات تصب في اتجاه تدعيم مسيرة العمل الخليجي المشترك.
ففي عالم يعج بالأفكار والطموحات، استطاع مجلس التعاون على مدى يناهز ربع قرن من الزمن أن يوطد أركان قواعده، ويرسخ دعائم استمراره، رغم الأحداث والأزمات التي عصفت بالمنطقة، والتي كانت كفيلة بإنهاء هذا الكيان وتفتيت أوصاله، لولا توافر الإرادة السياسية التي حكمت بأن مجلس التعاون ضرورة لا غنى عنها، وفي ظل رغبة شعبية بأن علاقات الأخوة ووشائج القربى ينبغي أن تترجم على أرض الواقع إلى وحدة اقتصادية وسياسية وأمنية عبر آلية مشتركة يتلف حولها الجميع.
وإذا كان مجلس التعاون قد مر منذ إنشائه عام 1981 بلحظات تاريخية، مثلت مفترق طرق صعباً وشاقاً بين الوجود والعدم، فإننا بلا شك نعيش هذه الأيام إحدى هذه اللحظات، التي تحمل في طياتها إرهاصات جديدة، وتغييرات جوهرية إقليمية ودولية تؤثر جدياً في سير الأحداث ليس في منطقة الخليج فحسب بل ومنطقة الشرق الأوسط برمتها، ويأتي في مقدمتها: الوضع الأمني في العراق، والتجاذب الإيراني الأمريكي، فضلاً عن تعثر مسيرة السلام بين العرب وإسرائيل، ناهيك عما يشهده النظام الدولي من تحولات سياسية واقتصادية وثقافية عميقة، تمثل العولمة أبرز معالمها بما تطرحه من فرص وتحديات.
ومن ناحية أخرى، تنفرد قمة المنامة بظروف خاصة باعتبارها القمة الأولى التي تعقد في ظل غياب أحد الرواد المؤسسين لمجلس التعاون، وهو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان طيب الله ثراه الذي سنظل نتذكر بتقدير عال عطاءه وإنجازاته لوطنه وأمته، وتولي صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان مقاليد الحكم، والذي يمثل «خير خلف لخير سلف». كما أنها الأولى في البحرين بعد أن تحولت إلى مملكة دستورية في أعقاب الإصلاحات الشاملة التي قادها جلالة العاهل المفدى.
وإذا كانت القمة تلتئم في ظل مرحلة بالغة الدقة والأهمية، وهو ما يتوقع منها الخروج بقرارات وآليات فاعلة لاستمرار الحفاظ على الاستقرار والأمن الذي تنعم به دول المجلس، فإن هناك - في تقديري - عاملين مهمين يوفران مناخاً من الثقة في القدرة على حل كافة القضايا العالقة، والخروج بمكتسبات جديدة ترضي طموحاتنا المشتركة.
الأول: التطابق الواضح في وجهات النظر حول القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك، نظراً لما يربط بين دول المجلس من علاقات خاصة، وسمات مشتركة، وأنظمة متشابهة، جعلت تحركاتها الداخلية والخارجية تتميز دوماً بأنها معتدلة وحكيمة.
الثاني: أثبتت دورية القمة أنها تجربة ناجحة ومميزة للعمل الخليجي، فقد شهدنا طيلة السنوات الماضية العديد من الاجتماعات واللقاءات والمشاورات على مختلف المستويات التي خرجت بقرارات ملموسة في مجالات الاقتصاد والتعليم والإعلام والعمالة ومكافحة الإرهاب وغيرها.
وانطلاقاً من تلك الثوابت، استطاع المجلس أن يؤسس لمواقف ثابتة وواضحة في التعامل تجاه مختلف القضايا الإقليمية المثارة، فجميع دول المجلس تتفق على أهمية أن يتولى العراقيون إدارة شؤون بلادهم، مع ضمان مستقبل العراق وسيادة ووحدة أراضيه، وكذلك على ضرورة أن تتجاوب إيران مع جهود دولة الإمارات العربية المتحدة لإيجاد حل عادل لقضية الجزر الإماراتية الثلاث، كما تتابع دول المجلس بقلق تطورات مسيرة السلام في الشرق الأوسط في إطار حرصها على تمكين الشعب الفلسطيني من تقرير مصيره، وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس، وفقاً لما نصت عليه مبادرة السلام العربية.
وتأتي ظاهرة الإرهاب الدولي من بين القضايا الأكثر حضوراً في القمة، مما يبرز الحاجة إلى توحيد الجهود، وتنسيق المواقف لحماية دول وشعوب المجلس من استشراء هذه الظاهرة، وفي هذا الصدد يعكس توقيع اتفاقية مكافحة الإرهاب بين دول المجلس في شهر مايو الماضي، وعياً خليجياً بأهمية التصدي للإرهاب بمختلف أشكاله وصوره، وأياً كان مصدره أو مبرراته.
ولا ريب أن للإعلام دوراً حيوياً في مكافحة الإرهاب، ومحاربة الأفكار المتطرفة التي تغذي شرايينه، وتسوق معتقداته، إلى جانب التنبيه إلى خطورة ربط هذه الظاهرة بالدين الإسلامي السمح.
وفيما يتعلق بمسيرة التطور والإصلاح في الخليج، فلعلكم ترون أنها عملية مستمرة ومتدرجة، خصوصاً أن كافة دول المجلس اتخذت في هذا الشأن خطوات جديرة بالإشادة، فكل دولة تسعى إلى تطوير مشروعها السياسي الخاص بها، والنابع من إرادتها وطبيعة ظروفها.
تبقى إشارة هامة، تتعلق بأهمية تعزيز الإحساس بالهوية الخليجية المشتركة لدى مواطني دول المجلس من خلال ما يتاح لهم من حرية الحركة والعمل، ومن هنا تأتي أهمية مشروع جلالة الملك بشأن إقرار مقترح بطاقة الهوية الموحدة لمواطني دول المجلس، ليمثل خطوة عملية جادة طال انتظارها.
إننا نتطلع بكل ثقة وأمل في أن تسهم قمة المنامة في الإسراع بالعمل الخليجي المشترك بما يستجيب لطموحات شعوبنا، ويدعم مقوماتنا نحو التقدم والوحدة.
* وزير الإعلام / مملكة البحرين |