ونعود لفكرة (قطار الحج والعمرة) فحين نقوم بإنشاء قطار يخدم المثلث: جدة - مكة - المدينة، ماراً بمدن أخرى مساندة في فترة الذروة، وعلى سبيل الذكر لا الحصر، مدينة رابغ أو ينبع، حيث يتم بناء مطارات عملية معقولة التكلفة، لكي تساعد على استيعاب الحجاج والمعتمرين وتخفف العناء عن مطاري جدة والمدينة، ويقوم قطارنا بالمرور بمطار ينبع أو رابغ وتحميل الحجيج إلى مكة أو المدينة مباشرة في قطارات مريحة وخدمات عالية الجودة، ونقلهم في فترة معقولة إلى مقاصدهم، دون عناء أو تكاليف في الأسعار!
* وكذلك الحال بالنسبة لأهل المدينة وجدة أو زوارهما، حيث يستطيع المعتمر قيادة سيارته إلى موقف محطة القطار، واستعمال القطار الذي يقله خلال ساعة أو ساعتين أو أقل أو أكثر، إلى الحرم المكي لأداء العمرة والمكوث في مكة ما شاء الله له أن يقيم، ثم يرجع أدراجه على الوسيلة نفسها، دون عناء أو زحام أو تعريض نفسه وأهله لخطر الطريق ومشقة قيادة المركبة والمواقف.. وهذه الحالة تنطبق أيضاً على أهلنا في الرياض والدمام وأبها والباحة والقنفذة والقصيم وجميع أنحاء المملكة، لو أننا أقمنا لهم شبكة متكاملة من السكك الحديدية والقطارات السريعة الآمنة والمريحة، والتي لا حاجة للتعريف بها، حيث إنها تستعمل في جميع أرجاء المعمورة!
* أما بالنسبة للحجيج وفي موسم الحج على التحديد، فيتم توزيع عدد الحجاج على مطارات المملكة التي تربطها قطارات عالية الجودة والسرعة والأمان، وتستطيع هذه القطارات بدورها نقل القادمين من الحجاج من أماكن متفرقة إلى بيت الله الحرام، ويعمل على تخفيف الضغط عن مطار جدة الدولي، وكذلك تخفيف الحمل على الطرق والمواصلات البرية من سيارات وحافلات، كما يخدم هذا الخط الحديدي التجار في التنقل ونقل البضائع إلى مكة والمدينة بأجور مقبولة وسرعة متميزة وأمان، وتقل نسبة التلوث في أجوائنا في كثير من بلادنا، وخاصة من عادم السيارات.
* وفي يوم التروية، في الثامن من ذي الحجة، يقوم عدد من المركبات الحديدية بتغيير مسارها ليكون مكة - منى وبالعكس، والحد من دخول السيارات الخاصة والعامة والحافلات، إلا الخدمات والأمن والصحة وما أشبه ذلك.. ولعلنا نتصور المنظر في مكة ومنى من حيث قلة عدد السيارات والحافلات والدخان والزحام، لتكون الطرق مغمورة بالهدوء والهواء النقي، والحجاج يؤدون مناسكهم ملبين آمنين من تلوث وصخب المحركات و(الكلكسات)، وفي فجر اليوم التاسع، يتحرك قطارنا لنقل الحجيج من منى إلى عرفة في خط دائري سريع وعملي، حيث يستطيع القطار قطع المسافة البالغة (9) كم أو أكثر والعودة في فترة زمنية تقدر بـ(20) دقيقة أو أقل، دون أي عوائق أو تأخير، حاملاً ما يزيد على مئات ومئات الأشخاص في كل فوج، وهذا العمل يعجز عن أدائه مئات الحافلات في الطريق المسفلت، ولا يفوتني أن أذكر أن القطار يشغل حيزاً صغيراً لا يتجاوز خطاً واحداً من مسار السيارات (أي بعرض (6) أمتار أو نحوها).
* ويبدأ قطارنا في نهاية اليوم التاسع بنقل الحجاج من عرفة إلى مزدلفة، ومن ثم إلى منى وإلى مكة، لكي يتمكن كل مستطيع الحج الوصول إلى نقاط المناسك بيسر وسرعة.. كما يستطيع المسؤولون والباعة وغيرهم، تقديم خدمات متكاملة والوصول إلى المواقع المختلفة باستعمال القطار، الذي يقلهم بسرعة وأمان، مقارنة بالسبل المتبعة حالياً، وما ينتج عنها من أذى للمشاة والتلوث والضجيج، ودع أمر الوقت الذي يذهب من أجل الوصول إلى المكان المنشود!
* ولعل هنالك من يتساءل: كيف نستطيع تحصيل ريع من هذا القطار في فترة الذروة؟ وكيف نرسم لهذا القطار مساره، والمدينة مكتظة بالبناء؟ والجواب على ذلك يسير بإذن الله، حيث يفرض على الحاج مبلغاً مقطوعاً معتدلاً للمواصلات والنقل ويعطى بطاقة لاستعمالها للتنقل بين جدة - مكة - المدينة، وكذلك التنقل إلى منى وعرفة ومزدلفة، دون الحد من عدد مرات الاستعمال، وينسق ذلك المطوفون والأدلاء ووزارة الحج!
* أما بالنسبة للمسار، فلقد تطرقت لهذا من قبل، حيث إن السبل العلمية الحديثة، أوجدت بعون الله الحلول لجميع العقبات، فهنالك قطار يمشي تحت الأرض، وقطار يمشي فوق الأرض، وقطار معلق بكابلات، وقطار يمشي على مسار مخصص مرتفع عن الأرض.. إلخ!
* ويمكننا أن نسدد ونقارب بإشراك أصحاب شركات السيارات والحافلات بالاستثمار في هذا المشروع، وتحويل هذه الحافلات إلى النقل الجماعي الداخلي أو في نقل العمالة أو غيرها لما فيه المصلحة العامة، وتوظفها للعمل في الملحقات في بلادنا المترامية الأطراف!
* إنشاء مواقف كبيرة في مناطق قرب المواقيت، وذلك ليتسنى للسيارات والحافلات الوقوف في هذه المواقف، واستعمال شبكة القطار التي تربط بين المواقيت وجدة ومكة والمدينة وغيرها، وهذا بدوره عامل رئيس في الحد من السيارات الخاصة القادمة من الخارج، وكذلك الحافلات المستأجرة الآتية من خارج البلاد براً في موسم الحج!
* هنالك دولة في الخليج تقوم بإنشاء شبكة حديدية للسكة الحديدية تبلغ تكلفتها أربعة مليارات دولار، رغم صغر حجمها وقلة عدد سكانها، ونحن القارة المتباعدة الأطراف والتي تتمتع بكل العوامل المواتية لإنشاء أكبر وأعظم شبكة نقل بواسطة السكة الحديدية في جزيرتنا العربية، ما زلنا متباطئين في ممارسة الريادة في هذا المجال الحيوي، والمهم لاقتصاد البلاد وربط بعضها ببعض.
* ومن نعم الله على بلادنا أنها تتمتع بطبيعة خلابة في شمالها وجنوبها، والتي يطمع أهل هذه البلاد في زيارتها والتجول فيها عن طريق القطار السياحي.. ومن خلال تجاربي ورحلاتي الكثيرة، أجدها من أميز الرحلات وأكثرها متعة للعائلات والأفراد عبر السكة الحديدية، ولا يغيب عن بالنا الأثر الاقتصادي الذي يهيئه القطار من حيث انتعاش المدن والقرى بعامل السياحة، وكذلك تصدير المحصولات والسلع من هذه المناطق المتناثرة إلى المدن الكبرى والموانئ ومراكز التسويق المحلي والعالمي.
* وما يتعلق بالتكلفة لإنشاء الشبكة المرجو تحقيقها، فإنها لا تبلغ النزيف المستمر في أقيام السيارات، بما في ذلك الحافلات والشاحنات والونتات وغيرها.. والمثل الحي الذي بين أيدينا يشهد بذلك، حيث إن حكومتنا في السنوات الماضية قامت ببناء شبكة طرق لتربط أطراف القارة السعودية بعضها ببعض، وأنفقت المليارات من الدولارات، لجعل هذا الحلم حقيقة، ولقد أصبحت بتوفيق الله، وها هي شريان ضخم يحقق ثمار الاستثمار، حيث يستطيع المرء مغادرة الهفوف - مثلاً - عند الفجر والوصول إلى مكة أو جدة في مغرب اليوم ذاته، بواسطة شبكة الطرق البرية المعبدة والعامر كثير منها بالخدمات، وكذلك الحال بالنسبة لشبكة القطار، الذي إذا تحقق فسوف نجني ثمارها بإذن الله في زمن قصير، وتصبح البديل الأفضل والأسلم والأريح، للتنقل عن أية وسيلة أخرى أرضية وحتى جوية، لسرعتها ومتعتها، بالإضافة إلى الخدمات الأخرى التي تقدمها هذه القطارات من نقل السلع المختلفة والبريد ومواد البترول وأشياء كثيرة، عن طريق كتل متماسكة من الحديد الذي قال فيه الحق سبحانه وتعالى: {وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ}.. وإننا لنطمع أن يكون لنا في القريب شبكة كبيرة من القطارات، لتصلنا بأهلنا في مختلف أرجاء قارتنا السعودية ليتحقق لنا الحلم الماتع على أيدي قادتنا البناة المخلصين، في الإنجاز الباقي للوطن وأهله بكل ما يرتقي بالحياة المثلى القويمة!
* وأملنا في حكومتنا إقامة هذا المشروع، وأن نبدأ جادين بدراسة هذا الاقتراح دون تحيز أو مداراة للمصالح الخاصة، ومراقبة الله سبحانه وتعالى لما فيه مصلحة الوطن، من أجل النهوض بأي خدمة لبلادنا وقاصديها والاتكال على الله.. وأخيراً أود أن أطرح سؤالاً على من يعارض هذا المشروع، ويقول إنه لا جدوى له أو منه، إذ كيف تنشئ قطاراً يصل بين مسجد قباء والمسجد النبوي والمزارات في المدينة ويكون له جدوى؟ حيث ينقل عدداً قليلاً من الركاب من الزوار ويقدم القليل من الخدمة، ويقطع مسافة قصيرة قطعها كثير منا مشياً على الأقدام في الماضي والحاضر، أما قطار جدة - مكة - المدينة، وقطار مشاعر الحج فلا جدوى من ورائه؟ وأقول إن هذا لشيء عجاب! راجياً أن يتحقق لنا ولبلادنا وقاصديها، ما فيه الخير.. والله المستعان.
|