حفلت الفضائيات والمجلات والصحف العربية بقراءات النجوم لعام 2005م وقد أجمعت هذه القراءات على أن عام 2005م هو عام الكوارث والاغتيالات والموت والفوضى، بل إنّ أحد المنجمين شطح في الخيال بعيداً عندما قفز بسرعة غير معهودة إلى عام 2020م حيث نعى البشرية بالكامل موضحاً بأنّ كارثة طبيعية سوف تصيب العالم بأكمله فيعود إلى سابق حياته المظلمة بحيث يتغذى الإنسان من الأعشاب ويرضع اللبن من ثدي النعجة .. وإلى مزيد من التشاؤم يتجه هؤلاء المنجمون دون أن يروا في الكون ثمرة من ثمرات التفاؤل، ولعل خبراء السياسة ليسوا أحسن منهم حالاً، فقد أجمعوا تقريباً على ما يشابه قراءات المنجمين إذ توقعوا اختلالاً وتأزماً في الوضع السياسي العالمي والعربي خاصة .. وينجم عن هذا الاختلال والتأزم تصرفات لا مسؤولة قد تفضي إلى الاغتيالات والحروب والاقتتال. والمنجمون في التاريخ العربي أصحاب سوابق في التشاؤم الذي يقتل الهمم ويورث الخوف والهلع فقد عزم المعتصم بالله الخليفة العباسي على قتال الروم في منتصف القرن الثالث الهجري، وأجمع المنجمون على أن غزو الروم سوف يحمل معه الهزائم والنكبات، وأن الأفضل تأجيل الغزو إلى حين تنهي الشهب السبعة دورتها وينجلي المذنب الأكبر من مداره .. لكن المعتصم بالله قرر الحرب وكتب وصيته ووزع الثلث من ماله علىالفقراء واستعد للجهاد والموت في سبيل الله وما هي إلا أن استيقظت بوادر الحق وانتصر الإسلام وتراجعت الروم عن الأرض بانسحاب قسري تحت وطأة السيوف. لماذا يكون عام 2005م عاماً مشحوناً بالآلام والمتاعب وعلى أيِّ أساس يتم حساب الحركة الزمنية للأحداث؟ فالحرب في جنوب السودان انتهت وحلّ السلام محل الحرب، واستعد السودانيون لبناء دولة الوحدة .. والعراق يستعد للانتخابات والولايات المتحدة عازمة على بناء عراق خالٍ من الفتن ولم يكن العراق عبر تاريخ استقلاله بلداً هادئاً بل إن الصراعات الداخلية مزقت أواصر المجتمع وتشتت الشباب العراقي في كل الدنيا يبحث عن عيش آمن .. أما الآن فالعراق يستعد للأمن والحياة الرغيدة بعد حرمان من الثروة واستسلام للفقر دام أكثر من مائة عام. والقضية الفلسطينية تجدد نحو الأفضل بزعامة محمود عباس بداية حقبة جديدة من التعايش بين معتنقي الديانات الثلاث في فلسطين وقيام دولة فلسطينية مستقلة. وفي المملكة العربية السعودية والخليج تم القضاء على دعاة الفتنة واجتثاثهم من جذورهم، بل إن ملاحقتهم قد آتت ثماراً يانعة إذ بدأت القناعات تظهر وانتهى الشك ليحل محله اليقين بأن الحياة الآمنة هي منار التقوى .. كما شهدت المملكة الانتخابات البلدية التي تعني تدريباً عاماً على النهج الديمقراطي في تناول السلطة. وعلى الصعيد الاقتصادي سجل اقتصاد منطقة الخليج نمواً في سائر قطاعاته وتضاعفت رساميل الاستثمارات الأجنبية في المنطقة كما تطورت قطاعات السياحة والصرافة والإعمار في سوريا ومصر ولبنان والمغرب العربي والسودان. إن خبراء السياسة لا يملكون الحق في التشاؤم فالمؤشرات السياسية تدعو لتفاؤل كبير أما علماء التنجيم فهم دائماً من أنصار التشاؤم وكأن النجوم دائماً عابسة في وجوههم. الغريب في الأمر أن النجوم في الآداب والشعر رفيقة أصحاب الأحاسيس المرهفة والعواطف الجياشة فهي مع العشاق وأهل الحب وهي الدالة على الطرق وحساب الزمن فهي رمز للمعرفة والعطاء. يتحدث الكثيرون بكل خوف عن النصف الثاني من عام 2005م وينظرون بوجه متجهم إلى أحداثه القاتمة .. ولنفترض أن هذا النصف الموصوم بالتشاؤم وسوء النية للإنسان قد جاء وفق المعطيات القائمة حاليا أمناً ونمواً واستقراراً .. ما الذي سيكون عليه حال المنجمين وكيف سيواجهون الناس بقراءاتهم بعد ذلك ومن سيستمع إليهم بعد هذا كله؟ لا ندري .. فربما اعتذر المنجمون عن هذا التشاؤم وأكدوا أن مجرى برج الثور قد انحسر فجأة عن مسار السرطان.
|