لم تكن علاقتي بالشيخ عثمان الصالح علاقة إعلامية أو إقليمية بل كانت مزيجاً ما بين العلاقة الثقافية والتربوية.
رأيت الشيخ أول ما رأيته في حياتي في حفل ثقافي نظمه معهد المجمعة العلمي وهي عادة سنوية للمعهد وكان ذلك الحفل يعتبر بمقاييس - ذلك الوقت - حفلاً ثقافياً راقياً وكنت قد اخترت من بين من اختير لتقديم برنامج الحفل، وقبل أن أمسك المايكرفون أدركت من نظرات وإصغاء وحس الشيخ التربوي أنه يريد أن يتعرف على حجم الوعي الثقافي لهذه المدينة، إذاً فأنا في مواجهة مع رجل واع ومثقف ومستنير وناقد وكان عليَّ أن أحاول التجويد في التقديم لكي ألبي حاجات هذا الرجل الثقافية، وعندما فرغت صافحني وقال لي أحسنت.
كنت - ذاك الوقت - قريباً من الأربعة عشر عاماً وكانت تلك المصافحة بداية علاقة ثقافية جادة كان عليَّ أن أدرك أنني تلقيت تزكية ثقافية مبكرة وكان عليَّ أن أفكر إلى أين سوف يقودني هذا الطريق، مزيج من الدهشة والانبهار وبينما أنا أفكر في هذه الحالة استلمت أولى رسائل الشيخ وقد ابتدأ الرسالة بالأديب، كانت الرسالة تشيد بذلك التقديم الثقافي الذي استمع إليه في ذلك الحفل، ولقد بدا لي أنه فوجئ بالتقديم إذ لم يكن الشيخ على دراية أننا كنا نتلقى تدريباً على الارتجال الثقافي في إحدى الساحات العامة في مدينة حرمة، وأعتقد أن الذي لفت انتباه الشيخ جرأتنا على المايكروفون أكثر من براعتنا في التقديم قرأت الرسالة أكثر من خمسين مرة ولقد أدركت أن الرجل يريدني أن أكون شيئاً وكانت تلك الرسالة البداية العامة كان يريدني أن آخذ نفسي بالتعليم المتواصل لكي أفهم ما حولي وأن استخدم المفهم في تحقيق نفسي.
احتفظت بالرسالة إلى أن اختلط حبرها الأخضر بالماء فتلفت في جيبي إذ لم يكن يعنيني من تلك الرسالة غير كلمة الأديب فأنا أعرف ماذا تعني هذه الكلمة إذ إن الثقافة ذاك الوقت وربما الآن تعتبر ثقافة أدبية وأنا في هذه السن.
لقد كانت سعادتي بالغة بهذه الكلمة فأنا لم أجرب بعد مكافأة أوقع في نفسي من هذه الكلمة فأدركت أن الشيخ وضعني في تحد مستمر مع هذه الكلمة يدعوني إلى تجاوز الإنجاز إلى إنجاز أكبر وتكريس الفعل الجاد.
لقد جعلتني هذه الكلمة دائماً أمام هذا التحدي ولذا لا بد من التركيز على الدور الذي سوف أضع نفسي فيه مستقبلاً لم تكن رسائل الشيخ الصلة الوحيدة ولكنها كانت الصلة الأساسية،.
توالت رسائل الشيخ وقد أخذت تلك الرسائل نقلة نوعية في روحها وتناولها وطرحها فمن تلك الرسائل كنت آخذ وقوداً لجعل الموازنة الصعبة واقع حال وكنت أعده بالجدية والإبداع وقبول التحدث وكانت رسائله تقول ببساطة أن هنالك صديقاً يستمع ويتجاوب كان يحاول أن يحقق قدراً أكبر من الاقتراب العملي من الناشئة وتربيتهم على الثقافة حيث يعمل جاهداً على تأكيد هذا الشعور فقد أراد أن يطوع رغباتنا تطويعاً ناضجاً.
لقد كانت رسائل الشيخ مكوناً مهماً من مكونات حياتي الثقافية فكان لها طعم خاص نابع من خصوصيتها وفعاليتها وحماستها ومثاليتها ورؤيتها وخصوصية الموضوعات المطروحة على صفحاتها فكنت أتفاعل معها وأمد لها حبل الود.
وعندما أسست دار النشر وأقمت حفلاً للتأسيس أقمت الحفل على شرف الشيخ تحدث في ذلك الحفل عن الحب الذي يكنه لهذه الدار والمستقبل الذي يرجوه لها والمخاوف التي تعترضها كان حقيقياً في وقت يكثر فيه الناس الزائفون المظهريون الذين تخدش البشرة منهم فلا تجد وراءها شيئاً.
إنسان حقيقي له آمال حقيقية يضطر لبذل الجهد لكي يؤكد لكل إنسان أنه ليس وحيداً ولكن وراء كل ذلك لا تملك إلا أن يأخذك الإعجاب بالروح الإيجابية التي يتحلى بها.
رحمك الله يا شيخنا فقد كنت واضح الوجهة واضح الرؤية واثق النفس عميق الفهم كل شيء يبدو لك ممكناً.
|