عندما نتحدث عن اليوم الوطني للمملكة العربية السعودية فإننا نفتح آفاقاً من القيم الإنسانية منطلقها الإيثار والإقدام، وثانيها التطلع والتفاؤل، وبين هذا وذاك قصة عشق أبطالها الوطن والمواطنون، تذكر كتب التاريخ ويذكر الأجداد للأحفاد، ويجمع الجميع بأن الملك عبد العزيز- طيب الله ثراه- لم يكن ملكاً فحسب بل كان رئيس أسرة جمعت قبائل عرب الجزيرة تحت مظلتها، والسؤال الذي يطرحه النشء اليوم بإعجاب: كيف تمكن الملك عبد العزيز -رحمه الله- أن يصبح في هذه المكانة؟ إنها القيم ولا شيء سوى القيم التي كان يتمثل بها رحمه الله.
الملك عبد العزيز وحد القلوب قبل أن يوحد الأمصار، وكيف توحد القلوب وتجمع على الولاء لملك ما لم تكن هناك مقومات مقنعة للجميع وليس للأغلبية وإذا كان الإسلام عقيدة يؤمن بها الجميع ويتمثلها سلوك ومنهج حياة فإن الملك عبد العزيز الذي نشأ على هذه القيم أحبها وعززها وحافظ عليها والحق أحق أن يتبع، لقد أكد الملك عبد العزيز القيم الإسلامية وفق معاييرها الأساسية التي بني عليها المنهج الإسلامي، وأكد الصبر والصدق والمراقبة والتعاون على البر والتقوى والأمانة وحسن الخلق والحلم والإيثار والرفق وحق الجوار واحترام الكبير والعطف على الصغير والصدق في المعاملة ومكارم الأخلاق، كما هيأ -رحمه الله- سبل غرس هذه القيم والمبادىء في نفوس من حوله وانضوى تحت لوائه، وأكد بأن الانتماء للإسلام لا يكون بالهوية الإسلامية فحسب بل بالسلوك الإسلامي
كان الملك عبد العزيز- طيب الله ثراه- مدرسة في التربية والاجتماع وعلم النفس والسياسة ومكارم الأخلاق والإيثار والولاء، ولا يتسع المقام لعرض كل مفردة من هذه المفردات، ولكن كيف تم توظيف كل هذه المناقب لوضع الخطة الأمنية لوطن مترامي الأطراف، كان يعيش الفوضى بكل أبعادها حتى بلغ عدم الاستقرار والتفرقة والتناحر والنهب والسلب وافتراس القوي للضعيف نتيجة غياب السلطة القادرة على الردع حداً لا يمكن قبوله أو التعامل معه، ولكن بحنكة وحكمة وبعد نظر الملك عبد العزيز- طيب الله ثراه- استطاع بعون من الله سبحانه وتعالى إعادة تشكيل المفاهيم الجاهلية، ولم تكن تلك جهود وقتية بل استراتيجيات وخطط عمل من أهدافها تأسيس الهجر وإنشاء المدارس والمؤسسات الاجتماعية والمراكز الصحية والعناية بالزراعة والمواصلات.
لابد لهذا الجيل أن يعرف هذه الحقيقة، وأن ما ينعم به اليوم من أمن واستقرار ورفاهية ورغد عيش وضع أسسه بتوفيق من الله سبحانه وتعالى مؤسس هذا الكيان ابن هذه الأرض أب الصغير وأخ الكبير القائد الباني المربي عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود، وأن سيرة هذا البطل وكفاحه وتفانيه وتطلعاته توارثها أبناؤه، وهذه من النعم التي أنعم الله بها على هذه البلاد.
يحدثني زميل أكاديمي من إحدى الدول الشقيقة عن إعجابه بالنهضة التي عمت المملكة العربية السعودية في وقت قياسي في عمر الشعوب.
وبأسلوب مثالي يجمع بين المحافظة على الأصالة والثوابت، والأخذ بأسباب التقنية الحديثة دونما نقص أو إخلال وأطلق عليها التجربة التنموية السعودية لقد عايشنا هذه النهضة بل أصبحنا جزءاً منها، وهذا ما أراده لنا قادة هذه البلاد، فلم ننظر إليها كتجربة فريدة لأن التمازج بين الثوابت والنهضة في مفهومنا من المسلمات التي نؤمن بها، وبالتالي لا شأن لنا بالمقارنات الأخرى إلا ما نأخذ منه إضافة ثرية لموروثنا الحضاري وتطلعاتنا المستقبلية، ولكن المتابع من الخارج يعلم أن ما قمنا ونقوم به من جهود تدعمها قيادة واعية وبعيدة النظر، وتسعى إلى مستقبل زاهر لهذا الوطن يعلم أن هذه الجهود مميزة واستثنائية وتجربة تتسم بسمات سعودية، ولإدراك ذلك لنعود بالذاكرة إلى الوراء قليلاً ونتخيل الصور في ذلك الوقت لشتى المجالات التعليمية والصحية والاقتصادية والنهضة العمرانية، ونعود بذاكرتنا إلى الحاضر، ونطابق الصور لندرك البون الشاسع بين ما كان وما هو كائن.
لقد أكرمنا الله سبحانه وتعالى بأن جعلنا حماة للحرمين الشريفين، وهذه المكرمة شرف يتمثله كل أبناء هذا الوطن، وهذه نعمة منَّ الله بها علينا ودورنا تقييد هذه النعمة بالشكر وعلى الشباب أن يتمثلوا هذه السمة في سلوكهم وواجباتهم تجاه الآخرين، وإذا كان على الشباب مسؤولية نحو أمته فإن مسؤولية شباب المملكة العربية السعودية مسؤولية نحو الانسانية جمعاء لذا لابد أن نكون قدوة حسنة في السلوك والمظهر والمخبر، وأن نكون لبنة في البناء القيمي لهذا البلد تحقيقاً لتطلعات الوالد القائد الباني المؤسس- طيب الله ثراه- ودعماً لتطلعات خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز الذي ملك القلوب بتمثله لمناقب وقيم ومبادىء القائد المؤسس. هذه الرسالة أضعها أمام جيل ينعم بالخير والرفاهية والأمن كما نعمت أنا ومن هم من جيلي ولله الحمد والمنة من قبل ومن بعد.
عميد مركز الدراسات والبحوث جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية |