Al Jazirah NewsPaper Sunday  08/04/2007 G Issue 12610
مقـالات
الأحد 20 ربيع الأول 1428   العدد  12610
ضعف اللغة الإنجليزية لدى مُخرجات الكلية التقنية.. أين تكمن العلة؟
د . عبدالعزيز أبانمي

على الرغم من أن قطاع التعليم الفني والتدريب المهني ظل يحظى بدعم متكامل من قبل حكومة خادم الحرمين الشريفين وتسهيل واضح لأي صعوبات قد تعترض تطوره وتقدمه، بل إن هذا الدعم قد تضاعف في السنوات الأخيرة كنتيجة منطقية لإدراك القائمين على أمر هذه البلاد وإيمانهم بأن مخرجات التعليم الفني والتدريب المهني لبنة أساسية في المحافظة على المكتسبات التنموية التي نجحت الحكومة طوال عقود متعاقبة منذ تأسيس هذه المملكة على يد المغفور له بإذن الله الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن وحتى الآن في جعلها واقعاً مُعاشاً وتجربة تطويرية وتنموية متميزة وكذلك إيمانهم بأن هذه المخرجات أيضاً ستعلب دوراً أساسياً في القضاء وبشكل متدرج على مشكلة البطالة متى ما تم تأهيلها تعليمياً وتدريبياً بشكل يتوافق مع معطيات العصر الذي نعيشه في الوقت الحاضر, إذ إن اليد العاملة المحلية المؤهلة تقنياً ومهنياً وفنياً وتعليمياً هي القادرة على أن تكون أهلاً لدخول سوق العمل المحلي وبكل قوة وهو سوق يتميز بدرجة عالية من التنافسية خصوصاً من غير السعوديين.

والحديث عن درجة التنافس في هذا السوق واحتدام التسابق على الظفر بجزء من كعكته يقودني مباشرة إلى الإشارة إلى عنصر إتقان اللغة الإنجليزية وإصرار رجال الأعمال وملاك القطاع الخاص وأرباب العمل على أن ما يميز العمال الأجنبية هو قدرتها على استخدام اللغة الإنجليزية تحدثاً وكتابة وممارسة بشكل يُسهم بدرجة كبيرة في معاونة أصحاب المنشآت التجارية الخاصة على إنجاز أعمالهم خصوصاً في ظل الحقيقة المتمثلة بصيرورة اللغة الإنجليزية لغة المال وإنجاز الأعمال في القطاع الصناعي والتجاري على المستوى العالمي وأصحاب المنشآت التجارية والصناعية الخاصة لهم كامل الحق في مطالبتهم وإصرارهم على أن يكون عنصر إتقان اللغة الإنجليزية شرطاً أساسياً للتوظيف والخدمة في القطاع الخاص ومهارة لازمة يجب أن تتمتع بها مخرجات التعليم الفني والتدريب والمهني وأي محاولة للتقليل من أهمية هذه اللغة في سوق العمل الصناعي والتجاري المحلي وإيهامنا من قبل البعض بأن هذه اللغة وإتقانها ليس بذلك الشرط الأساسي، كل هذا محاولة فاشلة لذر الرماد في العيون وإجبارنا على تصديق ما لا يمكن تصديقه. فاللغة الإنجليزية هي ولا شك، وهو ما يعكسه واقع الحال، متطلب أساسي يبحث عنه أرباب العمل والتجارة في القطاع الخاص ومثل هذه الحقيقة لا يمكن التغاضي عنها أو التقليل من أبعاد أهميتها.

والقائمون على أمر المؤسسة العامة للتعليم الفني والتدريب المهني يدركون جيداً أن تأهيل طلاب مخلف المعاهد والكليات وغيرها من المنشآت التعليمية والتدريبية التابعة للمؤسسة يتم في جزء منه من خلال مناهج مُعدة إعداداً سليماً يأخذ بعين الاعتبار أبجديات وأدبيات ومبادئ تصميم وتأليف المناهج وتطبيقها وتقويمها بشكل مستمر ودائم بهدف الوصول إلى أعلى درجات الدقة والإتقان بشكل ينعكس بكل إيجابية على مخرجات مختلف هذه المنشآت التعليمية والتدريسية التابعة للمؤسسة. وإعداد وتصميم المناهج بشكل يؤدي إلى المساهمة في تأهيل مخرجات التعليم الفني والتدريب المهني يعني ضرورة أن يتم تصميم هذه المناهج بشكل يتسق ويتوافق مع المعايير والقواعد المتعارف عليها عالمياً.

غير أن الوعي بالشيء وإدراكه لا يعني إنعكاسه على العملية برمتها بشكل إيجابي، ولا تعطي المعرفة بأمر ما الضمان الأكيد بإتمام هذا الأمر على الوجه المطلوب وسيره على النهج الأفضل.

ولعل جزءاً كبيراً من مناهج اللغة الإنجليزية التقنية سواءاً العامة أو التخصصية المستخدمة حالياً على مستوى الدبلوم في الكليات التقنية لمختلف التخصصات وخصوصاً تلك التي قامت بتأليفها لجنة مناهج اللغة الإنجليزية التابعة لإدارة المناهج بالمؤسسة العامة للتعليم الفني والتدريب المهني تعكس مثالاً واضحاً لفوضوية الإعداد والتصميم وسوء التخطيط وافتقاده إلى الأبجديات والأسس المُتعارف عليها عالمياً في مختلف الأوساط العلمية والأكاديمية والتربوية ذات الاختصاص والارتباط بعلم المناهج.

فعلى الرغم من أهمية المناهج الدراسية واحتلالها موقعاً متقدماً في منظومة التعليم والتدريب باعتبارها الجزء الأهم الذي ينبغي الاهتمام به وإفراده بمساحة واسعة من الدعم والمتابعة من قبل المسؤولين في سبيل الوصول إلى الأهداف المنشودة، وعلى الرغم كذلك من ضرورة وجود متخصصين في علم المناهج وتصميمها وبنائها وكتابتها لأن مثل هذه العملية لا تتم بشكل عشوائي أو اعتباطي، فإن مناهج اللغة الإنجليزية التخصصية التي قامت لجنة مناهج اللغة الإنجليزية بتأليفها تفتقد إلى أبسط عناصر المنهج المتكامل بل إن القريبين ذوي التخصص باللغة الإنجليزية والمطلعين على كيفية إعداد هذه المناهج قد هالهم وفاجأهم رداءة ما قامت بإعداده هذه اللجنة من مناهج. إذ تفتقد هذه مناهج اللغة الانجليزية التخصصية إلى أهداف تدريسية واضحة كنتيجة لعدم القيام بعملية تحديد الاحتياجات وهي الخطوة الأهم التي تقوم عليها أي محاولة لبناء وتصميم وإعداد منهج متكامل. بل إن عملية تحديد الاحتياجات هذه تكتسب أهمية أكبر كما يشير كل من توم هتشنسون والان ووترز في كتابهما "اللغة الانجليزية التخصصية" في عملية تأليف مناهج اللغة الإنجليزية التخصصية وموادها التعليمية. هذا علاوة على عدم التزام مثل هذه المناهج بنظرية لغوية يقوم عليها المنهج وغياب النهج التدريسي الذي يتعين توظيفه في التدريس وإيصال المحتوى وتطبيقه، فمن سنحت له الفرصة للإطلاع على المناهج الإنجليزية التخصصية التي أعدتها هذه اللجنة سيدرك فوراً أن ما في أذهان أعضاء هذه اللجنة هو اعتقادهم بأن منهج اللغة الإنجليزية التخصصية يتمثل فقط في تزويد المتعلمين والمتدربين بالألفاظ الخاصة بحقل أو مجال أو تخصص ما وكذلك التركيز على مهارة (القواعد النحوية) الخاصة باللغة الإنجليزية. وهو ما يعني تجاهل اللجنة للعوامل الثلاثة الأساسية التي تحكم عملية التأليف وإعداد منهج لغة إنجليزية تخصصية: تحديد الاحتياجات، والمحتوى اللغوي، والنظرية اللغوية.

إضافة إلى ذلك، فإن هناك افتقاداً واضحاً للترابط فيما بين المناهج الإنجليزية التخصصية للمستوى الأول والمستوى الثاني على الرغم من أن هذا الترابط والتناسق والتكامل فيما بين المناهج يمثل أبسط عناصر تصميم المنهج وأكثرها أهمية إذ يبدو لنا الأمر وكأنه عملية عشوائية تمت في أقصر وقت ممكن دون أي مراعاة للأساسيات التي يقوم عليها تصميم المناهج. ولعل منهج اللغة الإنجليزية التخصصية لقسم البيئة لأوضح برهان على هذه الفوضوية، فكثيرً من النصوص المستخدمة في المنهج تم جلبها من الانترنت بحيث لم يتطلب الأمر سوى استخدام هذه النصوص للقراءة وكتابة بعض الأسئلة المتعلقة بها وتطعيم المنهج بعض التمارين الموجهة صوب مهارة القراءة في غياب واضح للترابط والنظرية اللغوية والتطبيقية التدريسية وقبل ذلك التجاهل التام لتحديد احتياجات الطلاب في هذا المجال.

ولم يكن من المستغرب أبداً أنه في ظل هذه المناهج الفقيرة علمياً التي لا تتناسب ولا تتلاءم مع الدرجة العلمية لبعض أعضاء اللجنة أن تفتقد هذه المناهج إلى عناصر أخرى ذات أهمية متوازية لما سبق أن أشرت إليه، فهناك غياب واضح لآليات التقييم وطرق التدريس وتحديد الأهداف بشكل دقيق، وهو ما يدفعني إلى التساؤل عما إذا كانت تمت الاستعانة بخبراء ومتخصصين في حقل المناهج وتصميمها وإعدادها.

وكما أن الخلل في مناهج اللغة الإنجليزية المستخدمة في درجة الدبلوم بكليات التقنية لا يقتصر على تلك التي قامت اللجنة بتأليفها من مناهج تخصصية لبعض الأقسام فإنه يشمل كذلك المناهج التي تم اختيارها لمادة اللغة الإنجليزية العامة و لمقررات اللغة الإنجليزية التخصصية بمستوييها الأول والثاني. فالكتاب المستخدم حالياً كمرجع للتدريس في مادة اللغة الإنجليزية العامة لا يأخذ بعين الاعتبار المستوى الواقعي والفعلي لطلبة الدبلوم الذين تم قبولهم حديثاً من خريجي الثانوية العامة والذين يعانون من ضعف مستواهم في اللغة الإنجليزية، إذ أن مستوى المادة العلمية في هذا الكتاب أعلى بكثير من المستوى الفعلي للطلاب وهو ما ينعكس سلباً على الطلاب والمدرسين الذين يُصابون على السواء بالإحباط نتيجة هذه الفجوة فيما بين ما يتم تدريسه وما يستطيع الطلبة تعلمه واستيعابه وكل ذلك ينعكس سلباً على قدرة الطلاب فيما بعد على التعامل مع مناهج اللغة الإنجليزية التخصصية. وهي التي تتطلب بدورها تتطلب مستوىً معيناً من الكفاءة اللغوية لا يستطيع معظم الطلاب الوصول إليها وبالتالي تفتقد مخرجات الكلية إلى المستوى المأمول والكافي من اللغة الإنجليزية.

ولعل أمثلة واقعية يعايشها مدرسو اللغة الإنجليزية في الكليات التقنية يمكن لها أن تكون استدلالاً واضحاً لما أشرت إليه آنفاً. ومن أول هذه الأمثلة الكتابان المستخدمان في اللغة الإنجليزية التخصصية (1) و(2) في التقنية الإدارية فمستوى هذين الكتابين أسهل بكثير من الكتاب المستخدم في اللغة الإنجليزية العامة على الرغم من أنه يُفترض حدوث العكس. وهناك أيضاً مثال اشتراك مجموعة من التخصصات (التقنية المدنية والمعمارية، ميكانيكا إنتاج وتبريد وتكييف، وتقنية الميكانيكا والمركبات) في مرجع واحد في مادة اللغة الإنجليزية التخصصية (1) وهو ما يؤدي إلى أن يدرس طلاب تخصص من التخصصات ما لا يحتاجونه أبداً مع عدم وجود آلية واضحة للتنقل من وحدة إلى أخرى فيما يخص مختلف التخصصات والمثير في الأمر والذي يبعث على العجب هو أن طلاب جميع هذه التخصصات يتعلمون الكثير عن عمليات الدهان وإنشاء الطرق والسباكة واللحام والآبار والتمديدات الكهربائية. وهو ما يدل بشكل كبير على انتقاء القيام بعملية مسبقة لتحديد الاحتياجات وإلا لما كان هناك تدريس لمثل هذه العناصر لطلبة قسم لا ناقة لهم ولا جمل فيها. بل إن الأمر الأدهى والأمر والذي يبعث على الضحك هو أنه يتم تدريس الطلاب كيفية صنع مجموعة من الأكلات والأطعمة كالفلافل والدولما والكباب وتزويدهم بمعلومات خاصة بالمأكل والمشرب لبعض البلدان، فأي لغة إنجليزية تخصصية هذه؟

ولا يقتصر الأمر على هذه التخصصات بل إن هناك العديد من الملاحظات التي يمكن تعقبها فيما يخص مناهج اللغة التخصصية الأخرى وليس هنا مجال للاسترسال فيها وإيرادها بشكل مفصل.

كما أن ما يعيب هذه اللجنة عدم أخذها لملاحظات المدرسين الذين قاموا بتدريس هذه المناهج وبعثوا بمقترحاتهم إلى مسؤولي اللجنة وظل الأمر على حاله واستمر الضعف اللغوي صفة ملازمة لكثير من خريجي الدبلوم بالكليات التقنية.

لقد حان الوقت لتطوير آليات ومناهج تدريس اللغة الإنجليزية بالكليات التقنية بشكل يتلاءم مع حقيقة أهمية هذه اللغة بشكل عام وخاص كي يكون في إمكاننا دفع القطاع الخاص إلى الاستعانة بمخرجات الكلية التقنية الوطنية وإحلالها مكان العمال الوافدة, كما أنه آن الآوان كي تتواءم نتائج عمل لجنة مناهج اللغة الإنجليزية بالمؤسسة العامة للتعليم الفني والتدريب المهني مع حجم الدعم اللامحدود من قبل حكومة خادم الحرمين الشريفين، فما قامت به اللجنة حتى الآن لا يتناسب أبداً مع الدعم الكبير والتواصل المستمر من قبل حكومتنا المعطاءة في مؤازرة التعليم الفني والتدريب المهني وتوفير كل ما يحتاجه دون تردد.

abanom@hotmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد