رياضة السيارات رياضة عالمية وجماهيرية ولها جاذبية شديدة حيث فرضت نفسها كواقع في كل الأحوال، فنجدها تمارس بشكل رسمي منظم وآمن في أندية وحلبات خاصة في بعض الدول أو تمارس بشكل غير قانوني وكارثي في الشوارع العامة في دول أخرى.
وبين هاتين الحالتين فارق كبير ومخيف يثير الكثير من التساؤلات والمقارنات ولن أذهب بعيداً لأوروبا وأمريكا، وإنما سأذهب إلى أقرب دولة مجاورة (البحرين) التي سيقام فيها أهم وأشهر سباق سيارات على مستوى العالم (فورمولا 1) بتاريخ 13-4-2007م بعد أن نجحت في استضافة هذا السباق في السنتين الماضيتين وحققت مكاسب كبيرة على المستوى الرياضي والاجتماعي والثقافي والاقتصادي، حيث استضاف هذا الحدث (500) فعالية مختلفة خلال العام الماضي وحققت أرباحا بمقدار (394) مليون دولار حوالي مليار ونصف مليار ريال كعائد مباشر للأعمال والتجارة في البحرين وهو ما يشكل 3% من إجمالي الناتج المحلي إضافة إلى خلق مئات الوظائف، وتشير التوقعات إلى تحقيق أرباح مضاعفة لفعاليات هذه السنة.
الجدير بالذكر أن الجماهير السعودية، تعتبر سوقاً رئيسيةً لهذه المسابقة مما حدا بلجنة السباق الى إعداد برنامج خاص للجماهير السعودية بالتنسيق مع إحدى شركات الطيران لتوفير رحلات اليوم الواحد شاملة تذكرة السباق لنقل الجماهير من الرياض وجدة لحضور السباق والعودة في نفس اليوم، وهذا الاستثمار الحضاري والاقتصادي لرياضة السيارات استطاع أن يستوعب طاقات الشباب وفورتهم وحبهم للمخاطرة والمغامرة ويوفر لهم البدائل لينقلهم إلى بر الأمان ويحول رياضة السيارات في البحرين إلى صناعة حضارية واقتصادية ناجحة.
فماذا عن رياضة السيارات عندنا؟ التي ما زالت تمارس بشكل كارثي في الشوارع العامة وتشمل سباقات واستعراضات بهلوانية وتفحيطا ينتج عنه قتل الأنفس بالجملة غالبيتهم من الشباب اليافع وخسائر مادية بمئات الملايين وتسبب الرعب لمستخدمي الطرقات والإزعاج والقلق لمن هم في بيوتهم وتشوه صورتنا الحضارية أمام العالم، فلهذه (الرياضة) أيضاً فعاليات مصاحبة مثل سرقة السيارات لاستخدامها في التفحيط وترويج المخدرات واقفال الطرقات وأعمال شغب وضحايا حوادث تزدحم بهم المستشفيات وإعاقات ومآس لا حصر لها، وعلى الرغم من كل ذلك ما زال العرض مستمراً.
ومع أن الجهود الأمنية والإعلامية حدت من هذه الظاهرة إلا أنها ما زالت مأساة يومية نعيشها منذ سنوات طويلة، فهل تعاني الدول التي فيها أندية خاصة للسيارات من هذه الظاهرة؟! الإجابة لدى القارئ الكريم، وقبل أن أزيد همومكم سأنقلكم إلى بارقة أمل شهدناها في مدينة جدة حيث افتتح ميدان للسباقات بمواصفات عالمية معتمدة من الاتحاد الدولي لرياضة السيارات وفق أحدث مواصفات السلامة وشهدت فعالياته حضوراً جماهيرياً كبيراً، وفي حائل سجل الرالي نجاحا يبشر بنقلة نوعية لرياضة السيارات بالمملكة.
فماذا عن الرياض المدينة الحضارية التي تشهد نموا إيجابياً في شتى المجالات الحضارية ولكنها تعاني من ظاهرة متخلفة وخطيرة اسمها (التفحيط) وهي ظاهرة لم تعالج ولم تردع بشكل كاف وما زالت تحصد الأرواح، وخسائرها المادية بالأرقام تفوق أرباح سباقات الفورمولا العالمية، ولقطات الحوادث القاتلة يتناقلها الشباب والأطفال من خلال كاميرات الجوالات مما يزيد القلق حول تنامي هذه الظاهرة وشعبيتها!!.
وللخروج من هذا المأزق فقد تكون ميادين السباقات المنظمة التي تراعي أحدث مواصفات السلامة أحد البدائل المهمة والحلول الناجعة لتفريغ طاقات الشباب واحتوائهم في هذا المجال. ولن أطالب بسباقات فورمولا لارتباطها بإعلانات تجارية محظورة ولكن أطالب بنقل فوضى السيارات وخطرها من الشوارع إلى الأندية والحلبات المتخصصة والآمنة.. فالمؤكد أن ما بين (فورمولا البحرين) و(تفحيط الرياض) مساحة حضارية شاسعة تستحق الدراسة والتقويم.
nizar595@hotmail.com