لم أجد ما أستطيع أن أبدأ به هذا المقال أجمل وأبلغ من الاقتباس التالي من الكلمة الضافية لخادم الحرمين الشريفين لدى افتتاحه أعمال السنة الثالثة من الدورة الرابعة لمجلس الشورى حيث قال حفظه الله: (إن المسؤولية المشتركة بين الجميع تفرض على كل مسئول تقلد أمراً من شؤون هذا الشعب الكريم مسؤولية القيام بأمانته واضعاً نصب عينيه بأنه خادم لأهله وشعبه وما أعظمها من خدمة إذا توشحت بالأمانة والإخلاص والتفاني والعطاء والتواضع، وليعلم كل مسئول بأنه مساءل أمام الله سبحانه وتعالى ثم أمامي وأمام الشعب السعودي عن أي خطأ مقصود أو تهاون).
هذه الكلمات ما هي إلا رسالة يبعث بها خادم الحرمين الشريفين - رعاه الله - إلى كل مسئول بأنه يجب عليه أن يتحمل ما ألقي على عاتقه من مسئولية وواجب وألا يرمي بمسئولية أخطائه وجوانب النقص في عمله على الآخرين وألا يحاول التملص من مسئوليته عن الأخطاء ويستخدم غيره شماعة يعلق عليها أخطاءه وألا يتم البحث عن مبررات واهية لتسويغ القصور والأخطاء والتقاعس عن أداء المطلوب وهي مبررات ربما على القارئ العادي الكريم دون أن يلاحظ أنها حجج تبرير واهية غير أنها لا يمكن أن تنطلي على المتخصص الضليع في حقله القادر على تفنيد هذه المبررات واحدة واحدة.
إنها رسالة منه - رعاه الله - بأنه ينبغي لكل مسئول أن يكون أهلاً لما تم تكليفه به من عمل وقادراً على أدائه بكل أمانة وصدق واحترافية وأن يتمتع كل مسئول أيضاً بدرجة عالية من الاستشعار الذاتي الداخلي لمثل هذه المسئولية وأن يعمل على تطوير ورفع كفاءة مثل هذا الاستشعار كي تدفعه إلى البحث بنفسه عن مصادر الخلل والقصور التي تؤثر سلباً على أداء القطاع الذي يتولى إدارته وبالتالي فإنه يخدم وطنه ويؤدي أمانته كما ينبغي.مثل هذا الاستشعار الذاتي يمثل في جزء منه مصدر رقابة وتقويم ذاتي لدى المسئول لإيصاد الباب في وجه الأخطاء والتجاوزات.
ولعل الصحافة تكون لجميع المسئولين واحدة من المصادر التي يمكن من خلالها أن يكتشف ما قد خفي عليهم من مواطن خلل في أداء الأجهزة التي تشرفوا بإدارتها وهو ما يقتضي وجود علاقة تكاملية بين الطرح والنقد الصحفي وبين المسئول لا أن يكون التوجس من الكتابة الصحفية والتعامل المرتبك معها ديدن مثل هذا المسئول وبالتالي انعكاسها سلباً على علاقة المسئول بالكاتب الصحفي.
وفي مقالي السابق كنتُ قد تحدثت عن إشكالية المناهج الخاصة باللغة الإنجليزية ودورها وتسببها في ضعف اللغة الإنجليزية لدى مخرجات الكليات التقنية وكيف أن نتاج عمل هذه اللجنة الإشرافية لا الاستشارية فحسب - كما يظن البعض - يُرجى الرجوع إلى الموقع الرسمي للمؤسسة العامة للتعليم الفني والتدريب المهني على الإنترنت للاطلاع على القائمة الكاملة لمهام الإدارة العامة لتصميم وتطوير المناهج) لم يرتقِ إلى المستوى الأدنى من تطلعاتنا عطفاً على عُمر هذه اللجنة منذ تشكيلها والدعم المادي والمعنوي الذي حظيت به من قبل حكومة خادم الحرمين الشريفين.
إن الارتباك الواضح في أداء هذه اللجنة وقصورها الذي لا يمكن تبريره عن القيام بما هو مطلوب منها لم يقتصر على المناهج فحسب بل امتد إلى التجهيزات الخاصة باللغة الإنجليزية وتطوير مدرسي هذه المادة.
ما يعنيني هنا هو الاجتهاد عبر هذا المنبر الصحفي, وهو منبر تبدّت أهميته في أوضح صورها من خلال التوجيه الكريم لصاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز أمير منطقة الرياض بتسمية أحد أحياء الرياض (بحي الصحافة) استشعاراً من سموه الكريم بأهمية الصحافة ودورها في خدمة الوطن والمحافظة على المكتسبات، يهمني هنا أن أجتهد في رسم ملامح مُحددة يمكن عبرها البدء في مشروع طموح أشمل وأكثر فاعلية لتطوير وتحسين الهيكلية العامة لتدريس اللغة الإنجليزية لطلاب الكليات التقنية من منطلق واحد يتمثل في أن مخرجات التعليم الفني والتدريب المهني ممثلة بمخرجات الكليات التقنية وقياساً على الدعم اللا محدود والهائل لقطاع التعليم الفني والتدريب المهني وعطفاً على حقيقة أن سوق العمل خصوصاً في زمن العولمة الحالي تفرض اشتراطاتها ومتطلباتها على نوعية من يمكنه أن يدخل سوق العمل هذه ذات الطابع التنافسي الضروس، وعطفاً كذلك على إيماننا جميعاً، ومثلنا في ذلك خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين، بأن لأبنائنا كل الحق في أن يبذل كل مسئول مهما كانت طبيعة عمله والمنصب الذي يتولاه أقصى وأصدق الجهد لتزويدهم بالتعليم والتدريب الأكثر فاعلية والأنجع أسلوباً في سبيل الارتقاء بمستوى كفاءتهم المهنية والتعليمية والتدريبية والثقافية وهو ما يعني أنه يُفترض بمخرجات التعليم الفني والتدريب المهني أن تكون على مستوى عالٍ من الجودة والكفاية والاحترافية وثقافة العمل التي تمثل القدرة على استخدام اللغة الإنجليزية بمختلف مهاراتها جزءاً أساسياً ومتطلباً أولياً للوصول إليها، أخذاً بعين الاعتبار ضرورة انصباب الاهتمام على جودة المخرجات لا على عددها وكمها و أرقامها.
هذا كله يؤكد على أهمية تطوير هيكلية تدريس اللغة الإنجليزية في الكليات التقنية وإعادة التفكير فيها بشكل جذري يتوافق مع معطيات العصر الحالي والتطورات التي طالت عملية التعليم والتدريب وبالتالي مواكبة الاحتياجات الفعلية بعيداً عن الأسلوب التقليدي العاجز الذي يهدف إلى إرضاء المسئول وتجاهل الأولويات.
وهو ما يدفعني إلى الحديث - بالإضافة إلى المناهج - عن الأطراف الأخرى التي لها ارتباطها المباشر والمتمثلة بكل من الطلاب والمدرسين وبيئة التدريس (التعلم).
وحتى يكون في الإمكان تقديم الاقتراحات والحلول المُفترضة لا بد من أن نضع أصابعنا على ما أراه أوجه القصور ومكامن الخلل في تدريس اللغة الإنجليزية لطلبة لكليات التقنية، فمدرسو اللغة الإنجليزية - خصوصاً في كلية الرياض - يعانون من العبء التدريسي الأقصى والممارسات الإدارية المتناقضة علاوة على عدم تطوير قدراتهم التدريسية بشك دوري عبر دورات متخصصة في أساليب التدريس والتقويم والتطورات التي يشهدها حقل تدريس اللغة الإنجليزية كلغة ثانية هذا بالإضافة إلى تجاهل ملاحظاتهم والتغذية الراجعة التي يقدمونها إلى لجنة المناهج فيما يخص المناهج المُستخدمة رغم أنهم الأقرب إلى الطلاب والأكثر احتكاكاً بهم ومعرفة بقدراتهم واحتياجاتهم الفعلية والتعامل مع هؤلاء المدرسين كأدوات تنفيذية فقط وتجاهل إشراكهم في عملية تطوير منظومة تدريس اللغة الإنجليزية وهو ما يبعث على الإحباط في أوساط هؤلاء المدرسين بشكل يقضي على تطلعاتهم ومواهبهم الإبداعية.
إن نقطة البداية في إعادة الهيكلة هذه تتجسد في القيام بعملية دقيقة وشاملة لتحديد الاحتياجات الفعلية العامة (المرتبطة باللغة الإنجليزية العامة) والخاصة (اللغة الإنجليزية المرتبطة بكل تخصص من التخصصات) لطلبة الكليات التقنية ممن يتخرجون من مدارس التعليم العام الثانوي وتلمس مواطن الضعف ومكامن القصور لديهم فيما يرتبط باللغة الإنجليزية من خلال وسائل علمية دقيقة موثوقة منها على سبيل المثال لا الحصر اختبارات تحديد المستوى وكذلك الاختبارات التشخيصية وكل هذه الوسائل يمكن بناءً على ما تقدمه من معلومات وتغذية راجعة أن تسهم في تحديد الأهداف العامة للمناهج كما أنه من الضروري التسليم بأهمية زيادة جرعة تدريس اللغة الإنجليزية لطلاب الكليات التقنية عبر دورة مكثفة في اللغة الإنجليزية لطلاب الدبلوم وكذلك زيادة عدد مواد اللغة الإنجليزية الى أربع مواد على الأقل، اثنتان من هذه المواد تركز على اللغة الإنجليزية العامة فيما يتم تخصيص المادتين الأخريين للغة الإنجليزية التخصصية بحيث لا يقل مجموع ساعات التدريس للغة الإنجليزية لطلبة الدبلوم عن 16 ساعة تدريسية وفي أعقاب وضع الإطار العام الخاص بعدد ساعات التدريس ينبغي الشروع في عملية تحديد وكتابة محتوى الخاص بالمناهج وهذا ما يعني أهمية إشراك مؤسسة علمية متخصصة في مجال اللغة الإنجليزية بشكل عام لا في مجال النشر فحسب بل وطرق التدريس والتقويم في عملية وضع المناهج وكتابة محتواها وتدريب المدرسين والتعامل مع هؤلاء المدرسين كعنصر أساسي ينبغي تطويره بشكل دوري دائم ووضع آليات التقويم والتقييم الخاصة بالمناهج وطرق التدريس التي تضمن الحصول على تغذية راجعة مستمرة ودائمة تهدف إلى التغلب على النواقص والعمل على تطويرها وضمان مواكبتها لمعطيات مختلف الفترات الزمنية خصوصاً أن التغيير السريع هو سمة هذا العصر والقادم من العصور كما أن تدريس اللغة الإنجليزية يجب أن تكون له قاعاته الخاصة به والمجهزة بأحدث المختبرات ووسائل التدريس والتفاعل ما بين المدرس والطالب والوسائط السمعية والبصرية خصوصاً أن قطاع التعليم الفني والتدريب المهني كغيره من القطاعات لا يعاني من أي قصور في دعم الدولة حفظها الله.
ختاماً ينبغي التأكيد بأنه من المهم عند تطوير التعليم والتدريب بشكل عام وتدريس اللغة الإنجليزية بشكل خاص التأكيد على أن جودة المخرجات لا عددها هو الأهم فنحن لسنا بحاجة إلى أرقام قد تُضاف إلى الأرقام الخاصة بأعداد و إحصائيات العاطلين عن العمل بل نحن في أمس الحاجة إلى مخرجات مؤهلة وواثقة ومجهزة العلم المؤسس على مناهج وتقنيات تدريس فعالة حتى يمكن هذه المخرجات أن تلعب دورها المطلوب في ضمان ديمومة عملية التنمية المتواصلة في هذا البلد المعطاء.
abanom@hotmail.com