* يُعتبر المؤرخ الرياضي الكبير - د. أمين ساعاتي رائداً لمؤرخي الحركة الرياضية بالمملكة، حيث بدأ حياته لاعباً في صفوف فريق الاتحاد في السبعينيات الهجرية، وبعد اعتزاله المبكر اتجه للتحكيم، ثم تحوَّل للعمل الإداري والإعلامي.. وأخيراً عمل باحثاً ومؤرخاً في التاريخ الرياضي برتبة رائد إذ عكف.. (أبو تميم) قرابة ستة أعوام حتى أظهر لنا أكبر موسوعة رياضية تضمنت سبعة أجزاء رصد فيها كافة جوانب تاريخنا الرياضي من شخصيات رياضية نجوم - حكام - إداريين - أندية - إعلام - بطولات... إلخ.. وأصبح إزاء ذلك يُقدم لنا تاريخاً رياضياً.. موثقاً وممحصاً بجهد يُشكر عليه في ظل عدم وجود المرجعية الرسمية لدى رعاية الشباب أو وزارة الإعلام.. في هذا الشأن.
* (أبو تميم) يكشف للجزيرة أوراقاً من تاريخ قطبي الغربية الأهلي والاتحاد.. مؤكداً اعتزازه وتشرفه بالحديث عن ذلك نتناولها عبر الأسطر التالية.
البداية بالمنطقة الغربية
* يقول رائد مؤرخي الحركة الرياضية (د. أمين ساعاتي ) إن المنطقة الغربي ةتعتبر أولى المناطق التي مُورست الرياضة فيها وكانت بداية الانطلاقة للرياضة السعودية، حيث بدأت الرياضة في مكة عبر الجالية الإندونيسية، لكن في مدينة جدة شهدت تأسيس أول نادٍ سعودي بالمملكة تحت مسمى (الحجاز الرياضي) وقد ترأسه (محمد رضا) وضم الأسماء التالية: حسين نصيف، محمد درويش، أحمد زاهد، محمود عارف، حمزة شحاتة، محمد عواد، عبد العزيز جميل، درويش مصطفى، علي بترجي، عبد الرزاق عجلان، أحمد قنديل، حمزة فتيحي، عبد الصمد نجيب، محمد جبار، عمر نصيف، محمد جابر، عيسى جمجوم، علي يماني، يونس سلامة، وكان ذلك في موسم عام 1346هـ.
وبعد تأسيس (الحجاز الرياضي) بعدة أشهر قدم من الهند (صالح سلامة) الذي كان مبتعثاً في بعثة علمية واستطاع أن يُمارس كرة القدم هناك ويقتبس من الهنود الذين تأثروا بالإنجليز الشيء الكثير من هذه اللعبة فانضم للفريق بعد عودته للمنطقة الغربية وتولى مهمة مسؤولية تدريب الفريق لكن لم يلبث أن حصل خلاف بين أفراده فاستشاط بعضهم وتطرف وطالب باستبعاد البعض الآخر من اللاعبين وإبقاء الفريق على مجموعة معينة من الموسورين والبارزين، بيد أن هذه النعرات لم تفد الفريق حيث رفضها الكثيرون الذين تألقوا وجمعوا شملهم عام 1347هـ وأسسوا فرقة جديدة باسم (نادي الاتحاد الرياضي) وقد لعب الاتحاد مع الحجاز الرياضي أول لقاء في المملكة وفاز الاتحاد 3-0 وسرعان ما انحل الحجاز الرياضي وبقي الاتحاد يرتع وحيداً في الساحة الرياضية.
الاجتماع التاريخي
* ففي حي البغدادية بالتحديد بجوار غرفة اللا سلكي التي تطل على الملعب أمام مقبرة أمنا حواء بالحي شهد هذا المكان الاجتماع التأسيسي الأول عام 1347هـ، الذي شكّل اللبنة الأولى لقيام وتأسيس نادي الاتحاد العربي السعودي حيث ضم الاجتماع المؤسسين وهم: عبد العزيز جميل، عبد الله بن زقر، عبد الرزاق عجلان، عبد اللطيف لنجاوي، عباس حلوني، زهران إسماعيل، عبد الله جميل، عبد الصمد نجيب، صالح سلامة، عثمان باناجة، حمزة فتيحي، عبد اللطيف جميل.. وبعد أن اجتمع المؤسسون اتخذوا قراراً تاريخياً تضمن تأسيس نادي الاتحاد وذلك عام 1347هـ.. واللاعبون الذين فرحوا بالقرار وانخرطوا في التدريبات هم: علي عماشة - أحمد تكروني - علي يماني - بكر غريب شاه - أحمد أبو طالب - إبراهيم أبو شوشة - عبد الله عدني - حسن كامل - حسين العدلي.. وقد ذكر لي العم عبد العزيز جميل أن المؤسسين اجتمعوا في اليوم الثاني في منزله لتشكيل مجلس الإدارة وليضعوا بقية الأطر والأسس اللازمة بقيام ناديهم كالشعار والملعب واللاعبين وأمور أخرى.
الاتحاد الإسكندري
* أما عن قصة اختيار اسم الاتحاد.. فهو تعبير عن اتحاد هذه المجموعة بالإضافة إلى ذلك كانت مدينة جدة تتأثر رياضياً بمدينة الإسكندرية ثغر مصر على البحر الأحمر، كما كانت تتأثر بمدينة بور تسودان ثغر السودان.. وتبعاً لذلك لا أستبعد أن يكون اختيار اسم الاتحاد هو تيمناً باسم الاتحاد الإسكندراني الذي تأسس قبل اتحاد جدة، وقد كان لاعبه (زهران إسماعيل) يستقدم من بورسودان ملابس لاعبيه الرياضية.
سلطان أول الرؤساء
* وبعد الاجتماع والتداول تم ترشيح علي سلطان لرئاسة الاتحاد حيث جاء هذا الاختيار بحكم منصبه الوظيفي في إدارة (البرق والبريد) وقد تكون مجلس إدارة العميد من: علي سلطان (رئيساً) - صالح سلامة مدرباً وقائداً - عبد العزيز جميل سكرتيراً وعضوية كل من: عبد الرزاق عجلان - عباس حلواني - عثمان باناجة - عبد اللطيف لنجاوي - عبد اللطيف جميل - زهران إسماعيل.
وهذا المجلس يُعد أول مجلس إدارة في تاريخ الأندية السعودية.. طبعاً استمر (علي سلطان) رئيساً لمدة 3 سنوات وبالتحديد من 1347هـ حتى 1350هـ.
شمس أسس الأهلي
* أما قصة تأسيس فريق النادي الأهلي فقد كان ذلك عام 1357هـ على يد مؤسسه الراحل حسن شمس - رحمه الله - الذي كان لاعباً في صفوف فريق الاتحاد ولاعباً بارزاً في مدرسة الفلاح حيث جمعه ورفاقه الطلب محبة وترابط فوضعوا على كاهلهم فكرة إنشاء فريق وطني يضمهم ويلم شملهم ويُخرجهم من إطار المدرسة الصغير إلى مجال رياضي، وبالفعل تمكن عام 1357هـ من تأسيس فريق باسم أهلي جدة وقد ساعده في بناء الفريق عبد الرؤوق بترجي كأمين صندوق وعباس خميس كابتن، ثم خلفه في قيادة الفريق أحمد زقزوق، ثم خلفه إبراهيم بكر ومحمد عبد الله الصائغ.
وفاة« المؤسس»
* تعرض النادي الأهلي بجدة بعد موسم واحد من تأسيسه عام 1358هـ لهزة قوية وخسارة كبيرة تمثَّلت في إصابة رئيسه ومؤسسه حسن شمس بحمى (التيفوئيد) التي لم تمهله إلا بضعة أيام.. بعدها انتقل إلى رحمة الله وهو في سن 27 عاماً.. وبعد يومين من وفاة الابن.. انتقل الأب (محمود شمس) إلى رحمة الله.. يومها بكى الأهلي بحرقة وبكى الاتحاد على بكاء الأهلي بحرقة.
الأولوية للأهلي
* أول مباراة أُقيمت بين أندية جدة وأندية مكة المكرمة في التاريخ الرياضي كان النادي الأهلي هو طرفها الجداوي.. وفريق الوطني هو الطرف المكاوي.. حيث أُقيمت هذه المباراة عام 1358هـ، وقد لعب في هذه المباراة مع النادي الأهلي لاعب الاتحاد الشهير علي يماني، كما يُعد الأهلي أول فريق بالمملكة يطبق ظاهرة الاحتراف ويستقدم لاعبين متميزين من السودان لدعم الفريق فنياً فأول مجموعة استعان بها الأهلي كانت من المحترفين السودانيين: وانا دانا - غندور - شيبة - عبد الله عبد الماجد - أدروب، ثم تمَّ استقدام أحمد عبد الله والد النجم الخلوق ماجد عبد الله.
بين الثغر والأهلي حكاية
* وبرغم النجاح الذي حققه الأهلي برئاسة شمس فقد دب خلاف بين الإداريين عام 1371هـ تنحى على أثره رئيس النادي عمر شمس من الفريق ليتم ترشيح حسن سرور الصبان حيث غيَّر اسمه من الأهلي إلى الثغر ويقول عمر شمس في حديث له معي (والكلام للساعاتي) إنه استطاع أن يأخذ اسم وشعار النادي، ولذلك أسفر الخلاف عن استبدال الأهلي باسم الثغر، لكن المياه عادت لمجاريها وعاد عمر شمس إلى رئاسة الثغر.. وبعد 10 أعوام تدارس الأهلاويون فكرة إعادة الأهلي وتدعيمه فرفعوا قراراً إلى اللجنة العليا بوزارة المعارف يطلبون فيه تعديل اسم الثغر إلى النادي الأهلي فصارت الموافقة عام 1381هـ ودخل الأهلي الدوري الجديد باسمه الأصلي بإشراف المدربين أحمد يافعي وعبد الله عبد الماجد، كما استغل الأهلاويون فترة التنقلات الحرة وانضم إليهم بعض لاعبي الاتحاد أمثال: كلجة وعمر راجخان وغازي ناصر الذين دعموا الفريق فنياً وحقق الفريق لأول مرة لقب بطل كأس الملك عام 1382هـ بعد فوزه.. على أهلي الرياض بهدف سجله كلجه.
دعم رائد الرياضة
* في 9 جمادى الأولى من عام 1370هـ أُقيم أول لقاء جمع الشقيقين الاتحاد والأهلي وانتهى اللقاء بالتعادل وكان هذا اللقاء هو الأول في تاريخ الناديين حيث أشعل جذوة التنافس الحاد بين الفريقين الاتحاد والأهلي التي ما زالت مشتعلة حتى الآن.
* أما المباراة الثانية فقد خصص لها الأمير عبدالله الفيصل - أطال الله عمره - بعض الجوائز مما رفع درجة المنافسة بينهما بيد أن المباراة لم تكتمل فقد انسحب الأهلي احتجاجاً على هدف سجله (عبد الحفيظ) ونزل الجمهور لأرض الملعب ولم تستأنف المباراة وإزاء ذلك أمر رائد الرياضة إرجاء تسليم الجوائز حتى تتضح الصورة، وفي اليوم التالي طلب سموه تقرير الحكم الذي قرر هزيمة الأهلي بالانسحاب وبناء على ذلك أصدر - حفظه الله - قراراً بتسليم الجوائز لأفراد فريق الاتحاد.
طبعاً كان رائد الرياضة الأول يهمه أن يتنافس الاتحاد والأهلي من أجل أن يرتقي مستواهما بالاضافة إلى أنه كان يقف مع الاتحاد في أي مشكلة وكذلك الأهلي.. وفي ظل هذا الاهتمام قرر سموه الكريم إنشاء إدارة الشؤون الرياضية بوزارة الداخلية عام 1372هـ وخصص لها ميزانية وصلت 50 ألف ريال من جيبه الخاص، وذلك إسهاماً منه لتوسيع دائرة التنافس بين الأندية وتنظيم شؤونها.
أقصر فترة رئاسية
* تولى صالح سنبل عام 1368هـ رئاسة الاتحاد وحمزة فتيحي قائداً حيث لم تتجاوز فترة رئاسته للنادي أسبوعين فقط!!.. وهي أقصر فترة رئاسية للعميد في تاريخه، حيث كان اللاعبون يحملون حمزة فتيحي يوم تمارينهم فوق أعناقهم ويطوفون به في أرجاء الملعب وهم يرددون عاش الرئيس.. سقط الرئيس.. أي عاش حمزة فتيحي رئيساً ويسقط صالح سنبل من الرئاسة.. وأتذكر أن العم سعيد بن فريج الذي ترأس الاتحاد من عام 1357هـ حتى 1368هـ قال والكلام للساعاتي!.. أنا كنت أصلاً رئيساً بالاسم وحمزة فتيجي كان الكل في الكل.. وهو بالإضافة إلى ذلك (مكلمنجي) من الطراز الفريد وما أحد عرفه إلا أنا عشان كده اختلف بعدي مع عبد العزيز جميل وشق الاتحاد الوطني مع الاتحاد السعودي.. وحمزة طيّب وعملي من الطراز الممتاز.
الاعتراف الرسمي
* في أواخر الستينيات الهجرية بدأت الحركة الرياضية مرحلة مهمة حيث شهدت لأول مرة دعماً مباشراً من أحد القيادات الحكومية رفيعة المستوى، وذلك عندما بدأ الأمير عبدالله الفيصل - حفظه الله - وزير الداخلية آنذاك يُولي الرياضة اهتماماً ورعاية بالغة ووضع أمله الكبير في لاعبي تلك الفترة واعتبرهم نواة طيبة للحركة الرياضية الجديدة التي شجعها ودعمها حيث حضر لأول مرة مباراة الاتحاد والمنتخب البريطاني التي أُقيمت في عام 1369هـ، وكان مع «رائد الرياضة» معالي الشيخ عبد الله السليمان وزير المالية آنذاك فأخذت الرياضة تقف على صفة رسمية تمخضت عن الاعتراف الرسمي بها وتشكيل جهاز تنظيمي حكومي لها عام 1372هـ.
الاستعانة بالسودانيين
* اتفق فريق الوحدة والاتحاد لأول مرة على إقامة مباراتين بينهما.. الأولى في جدة، والأخرى في مكة حيث أُقيمت الأولى يوم الجمعة 9 شعبان عام 1369هـ، وقد اشترك مع الاتحاد في هذه المباراة اللاعبان عبد الحفيظ زكي وأخوه عبد الحليم.. وكان هذان اللاعبان هما الشرارة الأولى لبدء التسابق على استخدام اللاعبين من السودان الشقيق.. طبعاً فاز الاتحاد في الأولى ففرض على الأندية الأخرى ظاهرة الاستعانة بالمحترفين الأجانب حيث شكَّل اللاعبون الذين استعين بهم بداية الاحتراف وكانت أول دفعة للاتحاد من هؤلاء محمد فرج الله (كشيب) ومحمد مختار وحمزة حسن ومحجوب عبد الله وقد اشترك هؤلاء مع الاتحاد.
الاتحاد سرق حب رائد الرياضة
* كان الأمير عبدالله الفيصل يحرص على مشاهدة المباريات للفرق آنذاك وقوفاً ودعماً وتشجيعاً للفرق السعودية بغية وضع قاعدة انطلاق جديدة للحركة الرياضية.
ولقد تمكن الاتحاد قبل الأهلي أن يسلب حب رائد الرياضة بما حقق من نتائج تُشرِّف الكرة السعودية فقد حضر الأمير عبدالله الفيصل ك(اتحادي) المباراة التي جمعت الاتحاد مع البارجة الإنجليزية شيفرن التي أُقيمت عام 1370ه وفاز العميد بهدف.. وبعد المباراة تبرع - حفظه الله - بسيارة شيفرولية موديل 1950م للاعب صالح زهران، الذي تألق في المباراة وأنقذ فريقه وقاده للفوز.
وكان هذا التبرع السخي الأول من نوعه في تاريخ الرياضية السعودية.. كما حصل الاتحاد بسبب هذا الفوز على تبرعات.. لعل أبرزها تبرُّع سمو الأمير منصور بن عبدالعزيز - رحمه الله - بطائرة خاصة لنقل اللاعبين ذهاباً وإياباً إلى القاهرة للاطلاع على النشاط الرياضي بمصر والاقتباس منه كما تبرع رائد الرياضة بتكاليف إقامتهم في مصر 17 يوماً وأيضاً منحة من معالي وزير المالية الشيخ عبد الله السليمان للإدارة الاتحادية في الشرفية تعتبراً حكراً لنادي الاتحاد وغيرها من التبرعات ابتهاجاً بهذا الفوز السعودي على المنتخب الإنجليزي في أول لقاء يجمع فريق سعودي مع فريق أجنبي.