في فبراير عام 2005 افتتح خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز - حفظه الله - المشروع الرائد منتدى الطاقة الدولي الذي بدأت فكرة إنشائه قبل خمس سنوات من افتتاحه، وتمنى المليك في كلمة الافتتاح من أعضاء المنتدى التحاور والتشاور الفعال لوقاية الاقتصاد العالمي من الهزات المضاربية في سوق الطاقة أو تعرضه لإشاعات مغرضة بتوظيف معلومات مغلوطة وذلك بالتوضيح والتصحيح من خلال المنتدى.
ولم يكتفِ خادم الحرمين الشريفين بذلك، حيث ناشد حينها الدول المستهلكة تخفيف العبء عن مواطنيها بخفض الضرائب عنهم حال ارتفاع الأسعار نتيجة المضاربات في سوق البترول. وفي تلك المناسبة المهمة أكد خادم الحرمين الشريفين سياسة المملكة البترولية الدائمة تجاه المستهلكين - أياً كانوا حول العالم - والقائمة على عنصرين أساسيين هما:
- العدل في أسعار البترول
- الإمداد الكافي الموثوق
وقد سعت المملكة لتحقيق الهدفين السابقين على مر السنين بكل أريحية وبلغة شفافة صادقة - حتى في ذروة أوقات الأزمات - وعلى نحو محسوب العواقب متجنبة فيه الإضرار بالحقول البترولية أو المساس بمخزون الأجيال القادمة. وشاركت المملكة دول العالم أجمع سرائها وضرائها فيما يتعلق بسوق البترول، وكانت تلك المشاركة لإيمانها بأنها جزء من المجتمع الدولي يشترك معه في عسره ويسره حتى وإن كان بنسب متفاوتة.
واتساقاً مع هذه السياسة، صدر حديثاً تصريح لصاحب السمو الملكي الأمير عبد العزيز بن سلمان بن عبد العزيز مساعد وزير البترول والثروة المعدنية، الذي أوضح فيه لوكالة الصحافة الفرنسية خلال المنتدى الأوروبي الخليجي أن مشكلة ارتفاع أسعار البترول في هذه الظروف الراهنة مسألة سياسية بحتة فكما يقول الأمير: (إن ما يرفع الأسعار هو السياسة، وما يخفض هذه الأسعار هو السياسة أيضاً). فالتوترات السياسية في البلدان المنتجة كفنزويلا ونيجيريا وإيران والعراق كانت بمثابة الزئبق الرافع والخافض لترمومتر الأسعار البترولية، كما أبرز الأمير أيضاً سبباً مهماً قديماً - مزمناً - عند الدول المستهلكة وهو النقص في القدرة التكريرية للبترول التي لم تساير زيادة الاستهلاك فيها. فعلى سبيل المثال، النقص الحالي في الطاقة الإنتاجية التكريرية في مصافي الولايات المتحدة الأمريكية التي تبررها بالصيانة المؤجلة لمصافيها بسبب إعصار كاترينا الماضي إضافة إلى بعض الحرائق التي حدثت لبعض المصافي متسببة في رفع أسعار البنزين مع أن الملاحظ هنا هو أن أسعار البترول هذه الأيام أقل مما كانت عليه العام الماضي، مما يوضح أن الاختناق في عنق التكرير وليس الإنتاج.
علاقة البائع الموثوق به والمتعاون مع الصديق المشتري تمثل العلاقة التجارية للمملكة بجميع الدول المستهلكة، فكلمة المتعاون الآنفة ليست من قبيل الإطراء والثناء بل هي صفة حقيقية ثبتت من خلال تجاوب المملكة في تغطية حالات النقص العالمي العديدة في إنتاج البترول - عند اللزوم - سواء كان داخل أروقة الأوبك أو خارجها مع أنها المستفيد الأول ولها الحق التجاري في الاستفادة من ارتفاع الأسعار، وبذلك التصرف الحضاري المتعاون تكون المملكة سطرت - بسبق - تعريفاً عالمياً للتعاون الإنساني الصادق وأثبتت مشاركة نبيلة بمفهوم الشراكة الأممية على الرغم من القاعدة التي تقول كلما ارتفعت أسعار البترول ارتفعت أسعار المنتجات الصناعية مما يعني ارتفاعاً في أسعار الاستيراد لها من قبل الدول المستهلكة حتى وإن كانت منتجة للبترول.
إن سياسة خادم الحرمين الشريفين في هذا الاتجاه هي النظر إلى العالم داخل إطار واحد تتأثر فيه الدول وتؤثر في بعضها البعض، ومن أجل أسلوب فاعل عادل في هذه السياسة فقد أوجد خادم الحرمين سياسة التفاهم والحوار من أجل تحقيق هذا التناغم المطلوب وتلافي سلبيات التأثير والتأثر حينما قال: (إن سياستنا البترولية جزء من سياستنا العامة التي ترمي إلى إحلال الحوار محل الخصام والتعاون محل الصدام). استمدت تلك السياسة العامة روح إبداعها من سياسة الموحد جلالة الملك عبد العزيز - طيب الله ثراه - الذي جعل من القرآن الكريم والسنة النبوية منهاجاً فهي الداعية لمنهج الحوار والشورى والتعاون والوحدة لنبذ الفرقة والخلاف والفتن في كل شؤون الحياة شعاره في ذلك { يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا }..
هذه السياسة العامة قد انعكست على جميع مجالات الحياة في المملكة العربية السعودية وخاصة السياسة الاقتصادية التي انتهجت أسلوباً يعتمد على اقتصاد معرفي يولد تعدداً في مداخيل المملكة غير البترولية مما سيحقق نتائج مبهرة في القريب العاجل - بإذن الله -.
موقف المملكة يفرض طرح أسئلة على الجانب الآخر سواء كان في الغرب أم الشرق أولى هذه التساؤلات هي هل تدرك دول الشرق والغرب أهمية هذا الموقف الذي ينطلق من منظور إنساني جماعي، أم أن النظرة الفردية INDIVIDUALISM مستحكمة لا تستطيع رؤية ذلك أم هو الإعلام والمواقف المسبقة التي أفرزت هذا التجاهل؟ السؤال الآخر هو هل من سبيل إلى تحقيق مثل هذه الصيغ التعاونية من أجل عالم لا تسيطر فيه عولمة الجانب الواحد حتى نستبعد نظرية المؤامرة التي يطرحها بعض المفكرين على أساس أنها مؤامرة الغرب على سائر دول العالم الثالث ولنتجنب - خيبات العولمة - كما يحلو للبروفيسور جوزيف - مؤلف كتاب (جعل العولمة تنجح) - أن يسميها الإجابة عن تلك التساؤلات مرهونة بمدى الاستجابة إلى دعوة حوار محل الخصام وتعاون محل الصدام!!
الولايات المتحدة الأمريكية
جامعة جورج واشنطن