منذ سنوات وأنا أحاول إعادة طرح السؤال القديم الجديد: هل هنالك معوقات أكاديمية أو ثقافية أو مالية أو ربما اجتماعية تجعل جامعاتنا ومؤسساتنا الثقافية لا تُقدِم على تلك الخطوة الأساسية في التعليم الجامعي وما فوق الجامعي، وهي تأسيس أقسام أو مراكز للدراسات الدولية والقارية والإقليمية؟.
هذا السؤال عرضته في أكثر من مناسبة، وتحدثت فيه مع أكثر من أستاذ جامعي، ومع باحث أكاديمي والشيء الغريب أني أجد حماساً لا يلبث أن يهدأ.
أقسام الدراسات الدولية صارت الآن جزءاً أساسياً في التكوين الأكاديمي الجامعي، ولا تستطيع أية جامعة مهما كانت تجربتها الأكاديمية إلا أن تضع أقسام الدراسات في أولوياتها، إن العالم بتغيراته غير المنتظرة، بل غير المتوقعة صار يفرض علينا حضوراً دولياً متمكناً، هذا الحضور يحوجنا إلى خبراء ومتخصصين نافذين، ولن يكون لدينا متخصصون ما لم يكن لدى جامعاتنا أقسام للدراسات تبني لنا تصوراً علمياً واضحاً للعالم، فإذا كنا نستقي رؤيتنا لأفريقيا أو أمريكا اللاتينية من مركز الدراسات الإفريقية أو اللاتينية في كندا أو في فرنسا، أليس من الأولى أن نبني تصورنا لتلك القارات أو المناطق المؤثرة في العالم عن طريق جامعاتنا؟!.
لقد بدأت الجامعات الغربية بالاهتمام بإنشاء مراكز دراسات الشرق الأوسط بشكل خاص بعد أزمة النفط عام 1973م، ولا شك أن لمراكز الدراسات هذه أهمية كبيرة في فهم المناطق والشعوب المدروسة، فهي تعد المتخصصين لفهم التركيب الاجتماعي والسياسي والاقتصادي لهذه الدول.
على جامعاتنا أن تساير التطور الحضاري العالمي وتفكر في إيجاد تخصصات إستراتيجية دولية لملء الفراغات، فليس بالضرورة أن تخرّج جامعاتنا كلها متخصصين في التاريخ القديم أو الإعلام أو الأدب أو الحضارة، وإنما تتجه إلى التفكير في إحلال تخصصات أكاديمية لدراسة الدول والثقافات دراسة دقيقة وشاملة، وذلك عن طريق الأبحاث والدراسات الجادة، ولن يتأتى ذلك إلا من خلال إيجاد أقسام للدراسات المتخصصة. لقد زرت بعض أقسام مراكز دراسات الشرق الأوسط في الجامعات الأمريكية وخصوصاً مركز دراسات الشرق الأوسط في جامعة جورج تاون وجورج واشنطون وجون هبكنز وكولومبيا، والتقيت بعض الذين يديرون تلك الأقسام والمراكز: مايكل هادسون، جودي تكر، مجيد خدوري.. واكتشفت كم لتلك المراكز من بعد إستراتيجي في صياغة العالم، فهل تبادر جامعاتنا أو مؤسساتنا المعرفية وضع اللبنة الأولى لمراكز الدراسات؟!
فاكس : 4726478