Al Jazirah NewsPaper Monday  27/08/2007 G Issue 12751
مقـالات
الأثنين 14 شعبان 1428   العدد  12751
وزارة التجارة.. ما أجمل الوزارة حين تنام!؟
عبدالعزيز أبانمي

وزارة التجارة - ووزيرها والمسؤولين عنها بالطبع - أصبحت اليوم تتصدر العناوين الإخبارية وتأتي في أولوية أحاديث المجالس وأضحت البؤرة التي تتسلط عليها الأضواء

وهو ما أصبح ديدن هذه الوزارة في الفترة الأخيرة وطبعها

الذي استمرأته،وهذا كله لم يكن نتيجة لإنجازات إيجابية تمكنت هذه الوزارة من تحقيقها، ولا لأنها كانت قادرة على كبح جماح الأسعار التي لا ترضى إلا بالتحليق عالياً من دون أي أمل في الهبوط، ولا لأنها كانت قادرة على الوقوف بحزم أمام جشع التجار وتلاعبهم بأسعار المواد الاستهلاكية على مختلف أنواعها التي لها بالتأكيد احتكاكها المباشر بمعيشة المواطن السعودي العادي، ولا لأنها كانت متمكنة من الاضطلاع بالمهام والمسؤوليات المُناطة بها، بل إنها وُضعت في هذا الموقف الحرج جداً لأنها فشلت فشلاً لا يختلف عليه اثنان في أن تكون بيدها المبادرة، وألا تتحول أفعالها إلى مجرد ردود أفعال آنية لتخفيف الاحتقان وامتصاص ما قد يتحول إلى غضب وحنق عارم ضدها، وأخفقت في أن تكون وزارة بحجم الأهمية التي نتوقع من وزارة لها أثرها المباشر والقوي على معيشة المواطن. وزارة التجارة ما هي إلا أنموذج لبعض من الوزارات والمؤسسات الحكومية التي يكتنف عملها مفهوم وتفكير عفى عليه الزمن وشرب ونمط إداري بالٍ وعاجز يرتكز على محاولة إقناعنا بإنجازات واهية تتصدر عناوين الأخبار بشكل متكرر وتمرير التبريرات المخجلة لأية إخفاقات وإيهامنا بأن كل شيء على ما يرام وأن التفاؤل ينبغي أن يكون سيد الموقف وأن الحكم في النهاية هو الكم لا الكيف. وهي وزارة تحذو حذو غيرها من بعض الوزارات والمؤسسات الحكومية في عجزها عن التجديد والإبداع وإيجاد التغيير الإيجابي، بل إنها تسير بشكل تقليدي نمطي لا يتغير ولا يتبدل وتتم إدارتها بما قد سلف من فلسفة إدارية، فتغيير الكوادر والأشخاص لا يعني البتة تغييراً في آلية العمل ونسقه. والمشكلة الأكبر لمثل هذا التفكير الذي يدير جزءاً من هذه المؤسسات الحكومية هو أنه يعجز عن التفاعل مع ما يتجدد من معطيات العصر ويقصر عن التفاعل مع حقيقة ازدياد وعي المواطن وقدرته على الوصول إلى المعلومة التي يحتاجها. متى أراد ورغب.

ربما كانت الكلمات النقدية هنا قوية، وربما كانت مؤلمة في حق مسؤولي الوزارة ومسؤولي وزارات ودوائر حكومية أخرى على شاكلتها، ولكنها لن تكون أكثر إيلاماً من أعراض سرطان الكبد الذي قد يصيب من ظن أنه كان يستمتع بتناول مكسرات وفستق يحمل مواد مُسرطنة دخلت البلد دون أي رقيب، ولن تكون الكلمات أكثر إيلاماً من وضع الوزارة التي عجزت عن تنبيهنا بشأن الألعاب التي تم تصنيعها في بلد آسيوي كبير، والتي قامت إحدى أبرز شركات تصنيع العاب الأطفال بسحبها من الأسواق نتيجة مخاطرها على الأطفال لاحتوائها على معدلات عالية من مادة الرصاص، ولن تكون الكلمات قوية بحجم قوة انفجار نوعية معينة من البطاريات المستخدمة في هواتف محمولة شرعت الشركة التي تقوم بتصنيعها والمعروفة على مستوى عالمي بسحبها من الأسواق. غير أن الكلمات هنا لن تكون سهلة في حق مسؤولي الوزارة سهولة فتح الأبواب والأسواق المحلية لما هب ودب من بضائع، الله وحده يعلم بحالها، ولن تكون المفردات في هذا السياق متسامحة بنفس الدرجة من تسامح الوزارة مع تجار يتلاعبون لا بأسعار البضائع فحسب بل وبصحة المستهلكين لها دونما أي خوف من الله ومن ثم من المسؤول، ولن تكون الأحرف فيما يتعلق بهذا الموضوع بكثرة البضائع المهترئة والسيئة التي تملأ أرفف محلات البضائع الرخيصة الثمن التي أصبح عددها يثير الغرابة لكثرة انتشارها في كل مكان وزاوية تصلها العين. باختصار، من الأجدر بمسؤولي الوزارة أن يقفوا مع أنفسهم وقفة صادقة يستحضرون فيها حقيقة وضع خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الثقة فيهم في أن يكونوا على قدر المسؤولية وأن يعوا أنهم محاسبون إن كان هناك أي تقصير، فما بالكم بالتقصير الذي يمس صحة المواطن ومعيشته وهما العنصران اللذان لا يألو ولاة الأمر في رعايتهما وبذل كل جهد وصرف كل غالٍ في سبيل الرقي بهما، وعليهم أن يتذكروا أنهم قد حصلوا على الصلاحيات الكاملة من ولاة الأمر لتنفيذ المهام التي يفترض بمثل هذه الوزارة القيام بها من مراقبة للأسعار وضمان لتدفق البضائع وتحقق من جودة ما يتم تداوله من سلع ومنع أي احتكار ومنح الثقة للمواطن في أن حقوقه كمستهلك لن تضيع، وهي كلها تمثل أبسط المسؤوليات التي ينبغي على مثل هذه الوزارة التصدي لإنجازها، علاوة على وضع الأسس التنفيذية والإجراءات الإدارية والتشريعية التي تكفل إيجاد مناخ استثماري جاذب وعملي ومرن.

وباختصار، ينبغي على مسؤولي هذه الوزارة أن يدركوا أن الاعتراف بالأخطاء هو الخطوة الأولى في سبيل إصلاح الخلل وعلاجه والقضاء عليه لا محاولة التبرير والتنصل من المسؤولية، وعليهم أن يتيقّنوا من أن سعة بال ولاة الأمر والدرجة العالية من الحلم التي يتمتعون بها لا تعني أنهم لن يتوانوا عن اتخاذ أي إجراء يكفل القضاء على المشكلة بشكل نهائي، خصوصاً متى كانت المشكلة فادحة وتتكرر بشكل غير منقطع يشي بخلل كبير في جسد الوزارة، كما أن عليهم أن يتذكروا أننا نعيش في عصر سرعة انتقال المعلومة وآنية تداولها بين الجميع وارتفاع درجة وعي المستهلك بما يُحتم على هؤلاء المسؤولين أن يبتعدوا عن النمطية والتقليدية في تسيير أمور الوزارة والتعامل مع احتياجات وتطلعات وآمال إخوانهم المواطنين، وأن يضعوا الخوف من التغيير جانباً وأن يكون عنصر الإبداع المسؤول جزءاً لا يتجزأ من آلية التشريع والتنفيذ، ولأنها وزارة لها احتكاكها المباشر بحاجيات المواطن على أرض الشارع، ينبغي أن يكون لها تواجدها الفعلي الواقعي الإجرائي على أرض الشارع بما يؤدي إلى نتائج ملموسة تنعكس إيجاباً على المواطن لا سلباً. ما يحصل في وزارة التجارة ينبغي أن يكون درساً للمسؤولين في غيرها من بعض الوزارات والمؤسسات والدوائر الحكومية التي ربما غالبها شيء من النعاس حتى لا تدخل في سبات عميق كما دخلته وزارة التجارة التي تستحق بامتياز أن تكون الوزارة النائمة. وأن يضعوا نصب أعينهم حقيقة أن المواطن وقبله ولاة الأمر ينتظرون نتائج عملية تتجسد على أرض الواقع بعد أن تم توفير كل المصادر الداعمة على مختلف أنواعها لهؤلاء المسؤولين، بحيث لم يعد هناك أي عذر لهم في عدم تحقيق ما يصبو إليه الجميع.



abanom@hotmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد