الكاتب اللامع الدكتور عبدالله ناصر الفوزان كتب في جريدة (الوطن) يطالب بإنشاء شركة إنشاءات عملاقة، وذات رأسمال ضخم، وإمكانيات فنية وتخصصية عالية، تضطلع بتنفيذ المشاريع الضخمة التي تحتاجها التنمية في المملكة، وبالذات في المجالات التي تحتاج لمثل هذا النوع من الشركات، واعتبر إنشاء هذه الشركة - في رأيه - لها أولوية على إنشاء بنك مثل (بنك الإنماء) المزمع طرح أسهمه قريباً. وأنا مع الدكتور الفوزان، وأؤيده بقوة؛ فهناك عدد قليل من الشركات السعودية تمتلكها أسر، أو أفراد، هي القادرة على تنفيذ المشاريع الإنشائية العملاقة التي نحتاجها تنموياً، وليس هناك أي مبرر (لتحتكر) هذه الشركات (الخاصة) هذه المشاريع لإمكانياتها الفنية والمالية الضخمة، فمن حق أي مواطن أن يشارك في الاستفادة من عوائد هذه الطفرة الاقتصادية التي نعايشها الآن؛ وإنشاء مثل هذه الشركة (المساهمة) سيجعل قاعدة المستفيدين من عوائد وأرباح هذه المشاريع التنموية من المواطنين أكبر، الأمر الذي سيساهم في توزيع الثروة الوطنية بشكل أكثر عدالة.
ومثل هذه الشركات سيكون تأثيرها الإيجابي لا ينحصر فقط في الارتقاء بقدرات القطاع الخاص في حقل الإنشاءات، وإنما سيمتد إلى تأهيل وتدريب جيل من الشباب المحترف في مختلف المجالات الفنية والإدارية، دون أية (محسوبيات) والتي عادة ما تتدخل في انتقاء الموظف في شركات الأشخاص؛ فليس سراً أن بعض الشركات الكبرى العاملة الآن في قطاع الإنشاءات (تفضل) في مجالات الإدارة تحديداً جنسيات عربية غير سعودية، وتعطيها أفضلية، ليس لأن هذه الجنسيات الأفضل، أو الأقدر على الإنجاز، من السعوديين، وإنما لاعتبارات أخرى لا تخفى على المتابع. وغني عن القول أن أهل الوطن أولى بالاستفادة من الفرص، مهما كانت المبررات.
وتدخل الدولة لمنع الاحتكار هو أس من أساسيات النظام الاقتصادي المختلط، والذي يوازن بين حرية الاقتصاد من جهة، ومن جهة أخرى يحمي مبدأ (المنافسة) بين المنتجين كي لا يستغل المستهلك النهائي، والذي هو الدولة في الغالب. وإنشاء مثل هذه الشركة المساهمة، والمعلنة أرباحها، سيعزز الأسس الضامنة لقوانين السوق المتعلقة بالعرض والطلب في سوق الإنشاءات بأن تعمل بعدالة؛ فاحتكار هذه الشركات الخاصة لهذه الأعمال الإنشائية العملاقة، هو بمثابة العبوة الناسفة لقوانين العرض والطلب، حيث يمنع آلية السوق من أن تؤدي دورها المطلوب لمنع الاحتكار، الأمر الذي يجعل (المحتكر) في النتيجة يتحكم بالأسعار بدافع من أطماعه.
ولكي لا نهرب من احتكار الشركات الإنشائية (الخاصة)، ونقع في فخ احتكار الشركات الإنشائية العامة، فإنني أقترح ألا يقتصر الأمر على إنشاء شركة مساهمة إنشائية واحدة، وإنما أكثر من شركة، خاصة وأن (الطلب) بعد توجه المملكة إلى إنشاء المدن الاقتصادية العملاقة سيكون كبيراً، فضلاً عن الطفرة المتوقعة في قطاع الإنشاءات بعد تفعيل الرهن العقاري في القريب العاجل، الأمر الذي سيجعل المجال واسعاً لأكثر من شركة للعمل في هذه المجالات.
أملي أن يجد هذا الاقتراح آذاناً صاغية من قبل المسؤولين، وخاصة في المجلس الاقتصادي الأعلى، والذي تضطلع مهامه بمثل هذه الأعمال. إلى اللقاء.