الدعوة المباركة التي أعلنها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز - حفظه الله - لعقد مؤتمر حوار الأديان بعثت الأمل من جديد من أجل وقف موجات التناحر والاتهامات بين أتباع الديانات المختلفة ورمي كل واحد منهم للآخر بنعوت أقل ما يطلق عليها أنها تدل على احتقان بين أتباع كل ديانة للأخرى كإطلاق وصف اليمين المسيحي المتطرف، أو العنصرية اليهودية، أو الصهيونية، أو الإسلام المتشدد، ووصم كل منهم للآخر بتهمة مساندة الإرهاب، ولقد جاءت كلمات خادم الحرمين الشريفين كطوق النجاة لكل أتباع هذه الديانات من أجل انتشالهم إلى بر التسامح والمحبة والاجتماع، وأعلنت مرجعية كل ديانة ترحيبها بهذه الدعوة المباركة، وما ذلك إلا أنها تعلم أن هذه الدعوة صدرت من قائد مسلم شجاع قادر على الجمع بين المتفرق وله مواقف إنسانية مشهودة استحق من خلالها أن يُطْلَقَ على مملكته (مملكة الإنسانية) إذ لم تفرق في إغاثة الملهوف أو المحتاج بين مسلم وغير مسلم أو دولة مسلمة وأخرى وما مواقف المملكة في سبيل استقرار العالم والمحافظة على تأمين احتياجاته النفطية وبأسعار معقولة إلا أنموذجاً واحداً لتحمل مملكة الإنسانية ومليكها همَّ رخاء العالم واستقراره، كما أن مبادرته لإحلال السلام في الشرق الأوسط هي المبادرة الأساس لأي مبادرات لاحقة، وها هي هذه الدعوة الإنسانية الكبرى دعوة (حوار الأديان) تنطلق من مملكة الإنسانية لتكون النواة الأولى لعالم يسوده الأمن والاستقرار على أنه يجب ألا يغيب عن البال أنه سبقت هذه الدعوة دعوات أخرى لحوار الأديان، إلا أن الأرضية التي بنيت عليها تلك الدعوات لم تكن بمثل تأهيل دعوة خادم الحرمين الشريفين ورسوخها فلم تكن مدعومة بثقل سياسي وأخلاقي واقتصادي له مصداقيته بين دول العالم، كما أن الظروف والأوقات التي طرحت فيها تلك الدعوات لم تكن مناسبة إذ لم يكن هناك صراع عقدي بين هذه الأديان وإنما كان الهدف منها فرض مبادئ دين على دين آخر أو محاولة اختراق رموز دين آخر لأهداف آنية، ولعل ما ورد في كلمة خادم الحرمين الشريفين من أسباب إطلاق دعوته لحوار الأديان لأنصع دليل على عالمية هذه الدعوة والحاجة الملحة لإقامتها حيث قال حفظه الله: (يا إخوان.. قد لا تصدقون كيف تفككت الأسرة.. أعتقد إخواني هؤلاء يحسون بها وكلكم تحسون بها تفكك الأسرة وكثرة الإلحاد في العالم وهذا شيء مخيف لابد أن نقابله من جميع الأديان بالتصدي له وقهره وإرشادهم إلى الطريق المستقيم الذي إن شاء الله يحفظ كرامة الإنسان والإنسانية جمعاء) بهذه الكلمات النيرة أطلق خادم الحرمين الشريفين دعوته لحوار الأديان والذي كما هو متوقع لن ينتهي بمؤتمر أو حوار أو حوارين أو أكثر ثم ببيان ختامي تطويه السنين والأيام، إننا نريد حواراً مستمراً وأول ما يبنى عليه هو الندية بين الأديان ألا وهو الاعتراف المتبادل بين أتباعها بعضهم ببعض، ولعلني في هذه المقالة أختصر ما نريده من مؤتمرات حوار الأديان المتوقع انعقادها بمشيئة الله بما يلي:
أولاً: الاعتراف من الكنيسة الكاثولوكية ومن الكنيسة اليهودية بأن الإسلام هو أحد الأديان السماوية الثلاثة (اليهودية، والمسيحية، والإسلام)، وأن القرآن الكريم منزل من عند الله تعالى كما أن التوراة والإنجيل منزلة من عند الله.
ثانياً: الاعتراف من الكنيسة بأن نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- نبيٌ مرسل من الله تعالى لكافة الخلق وأنه متمم لرسالات الأنبياء الذين بعثوا قبله.
ثالثاً: الاعتراف بأن إسماعيل هو الابن الأكبر لإبراهيم عليهما السلام، وأنه جد العرب.
وقد أوجز القرآن الكريم هذه المطالب في خطابه لأهل الكتاب بقول الله تعالى: {قُولُواْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ}(الآية 136 - البقرة) على أن من أهم لوازم عقيدة المسلم هو الإيمان بما جاء به موسى عليه السلام وأنه نبي الله ورسوله كما أن عيسى عبدالله ورسوله ونبيه وإنما جاء به في زمانهما دين حق وهكذا سائر الأنبياء والرسل عليهم السلام.
فإذا تم الاعتراف بهذه الثوابت من قبل الطرف الآخر في بدايات الحوار فإن الحوار سيكون مثمراً ومنتجاً إذ سيكون بين أطراف بينهم ثوابت مشتركة وأهداف واضحة واحترام دين الآخر والاعتراف به.
dr-a-shagha@hotmail.com