Al Jazirah NewsPaper Tuesday  08/04/2008 G Issue 12976
الثلاثاء 02 ربيع الثاني 1429   العدد  12976

الجامعة.. والأمير سلمان والدكتوراه
د. محمد عبده يماني

 

فرحت الجامعة بموافقة صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز على دعوتها ليحاضر عن والده الملك عبدالعزيز رحمه الله ومعلمه ومربيه وإخوانه ومؤسس هذا الكيان المملكة العربية السعودية، وكان الجميل في هذه المناسبة أن ابن الملك عبدالعزيز يتكلم في جامعة أنشأها في بداياتها

والده طيب الله ثراه، وعن موضوع يتطلع إليه الناس لمعرفة الحقائق الكاملة عن هذا الملك الإنسان، والزعيم العربي الفذ الذي استطاع أن يوحد أرجاء هذه البلاد على اختلاف ثقافاتها وعاداتها وتقاليدها وإمكاناتها في دولة واحدة تحت راية واحدة.

وقد أسعدني الاستماع للبحث الذي ألقاه، فقد كان بحثاً علمياً اعتمد فيه على تجربته الشخصية وما جمعه وتعلمه من والده وما عرفه من رجالات الملك عبدالعزيز السابقين، بل ومن إخوانه وأخواته وكل الذين عاشوا معه في إطار سيرة الملك عبدالعزيز.

كان من الرائع أنه لم يعتمد على ذلك فقط بل حرص على جمع مصادر للبحث من رجال كثيرين عرفوا الملك من داخل المملكة وخارجها. وبعد هذا حرص الأمير سلمان على أن يتصل بشخصيات اهتمت بصورة خاصة بحياة الملك عبدالعزيز في بدايات حياته يوم كان ما يزال شابا، وكانت له تطلعات كبيرة تجري في مخيلته، وأخفاها عن الناس جميعا، ثم كيف استطاع أن يجمع حوله مجموعة من الرجال والإمكانات بالرغم من بساطتها إلا أنه انطلق بها نحو تأسيس المملكة العربية السعودية.

جاء البحث الذي قدمه سموه علميا وليس عاطفيا استحق عن جدارة حمل لقب الدكتوراه الفخرية شأنه شأن كل الرجال في العالم الذين تقدم لهم الجامعات والمؤسسات العلمية هذه الشهادة كتقدير للأعمال العلمية التي قدموها أو دعموا تلك الجامعات أو ساهموا مساهمة فاعلة في جانب من جوانب البحث العلمي فيها وقد جمع الرجل بين كل هذا العوامل ما استحق به الدكتوراه الفخرية.

لقد استغربت في أول الأمر اختصاره الشديد للمحاضرة بحيث لم تغطِ جوانب أساسية من حياة الملك في الحجاز خاصة، لأن المحاضرة في جامعة أم القرى، وكنا نتطلع إلى أن نسمع منه الكثير من هذا الجانب المهم في حياته عامة وفي الحجاز خاصة، فقد كان يعتزي بها ويقول: (مكة المكرمة عاصمة ملكي) وكان يقضي فيها أكثر من ستة شهور واعتمد على كثير من رجالاتها في وضع اللبنات الأولى لنظام الحكم والشورى في المملكة بل وأخذ بعضهم إلى الرياض لمواصلة مسيرة الحكم وتوفير الأمن والرخاء.

لكنني بعد انتهاء المحاضرة علمت أنه راعى الوقت وكره أن يثقل على الناس، فكتب بحثاً كبيراً ووضعه بين يدي الجامعة لتنشره، ثم قدم هذا المختصر الذي ألقاه، وهي عادة حميدة عند كثير من الباحثين أن يقدم ما يسمى بملخص البحث، وليت الجامعة إن شاء الله تنشره متكاملاً ليستفيد منه الجميع، فهذا الملك الإنسان تجربة إنسانية لحكم عادل، وحاكم إنسان.

وقد أحسست بشيء من عبير التاريخ وأنا أنظر في جنبات وأروقة الجامعة، وتذكرت تلك الأيام العظيمة يوم وُضِعَتِ اللبنات الأولى لكلية الشريعة كنواة للتعليم الجامعي في أوائل عام 1369هـ لتدريس العلوم الشرعية، وكانت هذه الكلية أول تجربة رائدة للتعليم العالي الحديث في المملكة العربية السعودية وكان أول عميد لها هو الشيخ أحمد محمد علي كاظم رحمه الله، ورعاها مدير المعارف العامة الشيخ عبدالعزيز بن مانع رحمه الله، ثم تطورت وضمت كلية أخرى هي كلية المعلمين وأصبحت فيما بعد كلية التربية.

ثم طافت بي الذكريات يوم استلامي لإدارة الجامعة وكانت جامعة أم القرى لم تعلن بعد بل شكلت فرعاً من أفرع جامعة الملك عبدالعزيز سميت بفرع مكة المكرمة ضمت كليات الشريعة والتربية والدراسات العليا، وكان يرأس كلية الشريعة معالي الدكتور عبدالوهاب أبو سليمان، والتربية معالي الدكتور عبدالعزيز خوجة، وكيف عشنا تلك الأيام السعيدة ونمت الجامعة نمواً كبيراً واستوعبت وضمت الآلاف من أبناء مكة المكرمة وما حولها والطائف بل وكل جنبات المنطقة الغربية ثم بقية أنحاء المملكة العربية السعودية وازدحمت أروقة الجامعة واستقطبت مئات المدرسين من جامعات العالم الذين قدموا وساهموا في إنشائها، ثم فتحت الجامعة أبوابها لطلاب العلم من شتى بقاع العالم الإسلامي.

ثم تذكرت ذلك اليوم الخالد يوم كنا نصلي في المسجد الحرام وفي داخل مقام سيدنا إبراهيم عليه السلام مع الملك خالد رحمه الله وتغمده بواسع مغفرته ورضوانه وكيف أبدى رغبة في أن تكون في مكة جامعة، وحرص على إعلانها، فجاءت تلك الفرصة مواتية عندما اجتمع أهل مكة لتكريمه في حفل استقبال، وألقى الشاعر المكي المرحوم علي أبو العلا قصيدة تكريما لجلالة الملك خالد وطلب فيها أن تكون بمكة جامعة وقال فيها:

إنا نبثك ما نريد فأنت من

لبى المطالب والجواب قبول

نحتاج جامعة تضم معاهدا

في قلب مكة تزدهي وتنيل

طلاب مكة والضواحي والقرى

شتى العلوم ورأسها التنزيل

لتكون صرحا من صروح بنائكم

للعلم والجهل البغيض يزول

واليوم مكة وهي ترقب مجدها

ترجو مزيدا والمزيد قليل

وأمر الملك خالد بأن يعلن في تلك اللحظة عن إنشاء جامعة أم القرى، وكانت تلك الخطوة الموفقة والمباركة، ولبنات أخرى أضيفت على هذا البناء الشامخ جامعة أم القرى وتحمل مسؤوليتها رجال بعد رجال ونساء بعد نساء في جنبات الجامعة من أساتذة وأستاذات، ومربيين ومربيات وباحثين وباحثات حتى غدت على هذا النحو الذي هو مفخرة لنا جميعا في هذا اليوم.

وكنت سعيدا وأنا أرى الابن الدكتور عدنان وزان يعلن باسم الجامعة ومجلسها وأساتذتها وهيئتها بل وكل من ينتسب إليها منح الأمير سلمان الدكتوراه الفخرية وكأني أستمع إلى أبناء حوارينا في مكة وعمدنا والنقباء يرددون: (يستاهل.. يستاهل.. يستاهل) فرحا بمنحه هذه الدكتوراه الفخرية.

ثم أن جولاته في المعرض الذي أعدته الجامعة ومركز الأبحاث أعطته الفرصة ليطلع على عمل عظيم لخدمة تراثنا في هذا المجال، فكانت المبادرة منه أن أعلن عن إنشاء مركز تاريخ مكة المكرمة وتدشين موسوعة الحج والحرمين الشريفين، وشكرت من أعماق قلبي له هذه الخطوة الموفقة، كما فرحت بإدارة الجامعة تتيح لبناتنا الكريمات المشاركة في هيئة الاحتفال وما قدمن من كلمات رائعة وسامية، كما فرحت بمشاركة الأخت الكريمة سمو الأميرة الدكتورة الجوهرة بنت فهد بن محمد بن عبدالرحمن مديرة جامعة الرياض قسم البنات.

وبالجملة فقد كان حفلا رائعاً قضينا معه أمتع الأوقات، وشكراً للجامعة على هذا العمل البناء، وشكراً لأخي صاحب السمو الملكي الأمير سلمان على قبوله الدعوة وحرصه على المشاركة ببحث كنا نتطلع إليه جميعاً، ورحم الله مؤسس هذه المملكة الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود.

والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل،،


 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد