حوار - وهيب الوهيبي
أَعَدَّ الدكتور عادل بن عبدالله العبدالجبار، الباحث الشرعي والمشرف التربوي في إدارة التربية والتعليم بمنطقة الرياض، بحثاً موسعاً عن توسعة المسعى التي أمر بها خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز وفي هذا الصدد أجرت (الجزيرة) حواراً تناول عدداً من المحاور تقرؤونها في هذا الحوار..
* بدايةً.. أود تسليط الضوء على المسعى الجديد؟
- أشكر لكم الاستضافة التي أرجو أن تكون نافعة ومفيدة للقارئ الكريم فقد تابعنا سوياً في الأيام الماضية ومن خلال وسائل الإعلام المختلفة بشرى توسعة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز للمسعى تلك الأمنية التي سعدت بها شعوب العالم الإسلامي وليست بغريبة عن شخصه الكريم واهتمامه بخدمة الحرمين الشريفين وتسهيل كافة الصعوبات مهما عظمت وكلفت من المليارات فله منا كمسلمين وبلسان واحد كل الشكر والتقدير والدعاء الصادق أن يجزيه المولى جل وعلا خير الجزاء وأوفاه على جهوده العظيمة المباركة في ظل تزايد أعداد الحجاج والمعتمرين وحاجة الحرمين لهذه المشاريع العملاقة وتمكين ضيوف الرحمن من أداء الشعائر في أحسن الظروف وأقل المصاعب واسمحْ لي بداية أن أطلعكم على رسم توضيحي للمسعى (المرفق) الذي تم هدمه ودخل ضمن التوسعة الجديدة التي أمر خادم الحرمين بها ليكون تمهيداً لحديثنا عن أهمية توسعة المسعى
صورة المسعى يظهر فيها الأبواب
والعبَّارات والسلالم المتحركة
طول المسعى 394.5 م
عرض المسعى 20 م
ارتفاع الدور الأرضي في المسعى 11.75 م
ارتفاع الدور العلوي في المسعى 8.5 م
ويبلغ طول المسافة التي يقطعها المعتمر في السعي 2761.5 م
وذلك ناتج ضرب طول المسعى 394.5 في سبعة أشواط
ما بين الصفا والكعبة 130 م
ما بين المروة ة والكعبة 300 م
أسماء الأبواب وأرقامها من الصفا إلى المروة بالترتيب
باب الصفا 12 و13
يليهما سلم متحرك 14
ثم عبَّارة 15 و16
باب بني هاشم 17
عبَّارة باب بني هاشم 18
باب علي رضي الله عنه 19
باب العباس رضي الله عنه 20
عبَّارة باب العباس رضي الله عنه 21
باب النبي صلى الله عليه وسلم22
عبارة باب النبي صلى الله عليه وسلم 23
باب السلام 24
عبَّارة باب السلام 25
باب بني شيبة 26
باب الحجون 27
عبَّارة 28
باب المعلاة 29
باب المدعى 30
باب المروة 31
ثم من الجهة المقابلة عودة من المروة إلى الصفا
باب المروة المقابل رقم 33
باب مراد 35
سلم متحرك 36
باب المحصب37
باب عرفة 38
عبّارة 39
باب منى 40
سلم متحرك 42
وللأمانة فقد تم أخذ هذه المعلومات من المصادر التالية : أطلس السيرة النبوية للدكتور شوقي أبو خليل وكتاب تاريخ مكة المكرمة قديماً وحديثاً للدكتور محمد إلياس عبد الغني وقد تم تصميم الصور على ضوء خريطة معهد خادم الحرمين الشريفين لأبحاث الحج وأيضاً على ضوء مجموعة بن لادن الشركة المنفذة لمشاريع التوسعة ومراجع أخرى.
مرجعية شرعية
* هل بالإمكان إطلاعنا على جهود الدولة على المرجعية الشرعية في توسعة المسعى ؟
- صدر أمر خادم الحرمين الشريفين بدراسة توسعة المسعى في شهر شعبان من عام 1426 أي عقب توليه مقاليد الحكم بحوالي شهرين مع حرصه - حفظه الله - على أن يسير على نسق من سبقه من الملوك بالالتزام بالضوابط الشرعية في كل التوسعات للحرمين الشريفين والمشاعر المقدسة ابتداءً بالتوسعة السعودية الأولى التي بدأت في عام 1375 من الهجرة النبوية المباركة، أو التوسعة السعودية الثانية مشروع خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز - رحمه الله - في عام 1409، وأيضاً مشروع توسعة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز - حفظه الله - لتوسعة المسجد الحرام.. يقول المهندس أسامة البار، أمين العاصمة المقدسة في لقاء معه وقد كان في فترة مضت عميد معهد خادم الحرمين الشريفين لأبحاث الحج والعمرة، يقول: كُلفت بدراسة هذا الموضوع، فبدأنا الدراسة من النواحي التاريخية ومن النواحي الجغرافية ومن النواحي الجيولوجية، كانت بدايتنا من النواحي التاريخية وتتبع مصادرها، طبعاً أسهم معنا في البحث عدد من كبار المؤرخين المعنيين بتاريخ مكة المكرمة وتاريخ المسجد الحرام، وأيضاً في الدراسة الجغرافية كان معنا الجغرافي الأول لمدينة مكة المكرمة، وكان أيضاً معنا بعض الفقهاء أستاذاً مشاركاً في قسم الكتاب والسنة بجامعة أم القرى، وكان معنا مهندساً معمارياً مختصاً بدراسات المسجد الحرام وله خبرة تزيد على العشرين عاماً في هذا المجال، كان هذا هو فريق البحث الذي رأسته وبدأنا بتتبع المصادر التاريخية .. انتهى كلامه إضافة لما سمعنا من تأييد عدد كبير جداً من علماء العالم الإسلامي لهذه التوسعة المباركة يطول المقام بذكرها واستعراضها التي تدل على عناية القيادة الحكيمة على إشراك كافة المختصين في اتخاذ القرار لكونه يهم المسلمين جميعاً.
الحدود الشرعية للمسعى
* من خلال بحثكم في ملف المسعى ما الحدود الشرعية لجبل الصفا ولجبل المروة وهل التوسعة الجديدة تدخل ضمنها في ظل ما نسمع من خلاف بين العلماء؟
- ذكر فضيلة الشيخ عبد الملك بن دهيش في بحث له مخطوط معلومات جيدة ومفيدة عن الصفا والمروة لعلي أوجزها في النقاط التالية:
الصفا: جمع صفاة، وهو الحجر العريض الأملس، أو الصخرة الملساء القوية المختلطة بالحصى والرمل وهو: جبل صغير يبدأ منه السعي وهو في الجهة الجنوبية مائلاً إلى الشرق على بعد نحو 130 متراً من الكعبة المشرفة، والمراد به هنا: مكان عالٍ في أصل جبل أبي قبيس جنوب المسجد قريب من باب الصفا، وهو الآن شبيه بالمصلى طوله ستة أمتار، وعرضه ثلاثة، وارتفاعه نحو مترين.
المروة: واحد المرو، وهي حجارة بيض، أو الصخرة القوية المتعرجة، وهو: جبيل صغير من حجر المرو.. وهو الأبيض الصلب، ويقع في الجهة الشرقية الشمالية على بعد نحو 300 متر من الركن الشامي للكعبة المشرفة، وهو منتهى المسعى الشمالي، وأحد مشاعر الحج، والمراد هنا مكان مرتفع في أصل جبل قعيقعان، في الشمال الشرقي للمسجد الحرام، قرب باب السلام، وهو شبيه بالمصلى، وطوله أربعة أمتار، في عرض مترين، وارتفاع مترين، وكان متصلاً بجبل قعيقعان.
وجبلا الصفا والمروة عبارة عن أكمة، وسط مكة تحيط بهما بيوت أهل مكة. والطريق الذي بين الصفا والمروة هو: المسعى، أو مكان السعي، والمسعى الآن داخل في المسجد الحرام نتيجة التوسعة السعودية التي تمت عام 1375 هـ، واللفظان اليوم علمان لهذين الجبلين. وكان بين الصفا والمروة مسيل فيه سوق عظيمة يُباع فيها الحبوب واللحم والتمر والسمن وغيرها، ولم تكن بمكة سوق منظم سوى هذا السوق الذي كان يقع بالمسعى، مما جعل الساعين يجدون مشقة أثناء السعي لازدحام الناس على حوانيت الباعة، ثم حدثت التجديدات السعودية، فأصبح المسعى يتكون من طابقين بطول (395 متراً)، وعرض (20 متراً)... إلى أن قال: لم أقف في المصادر التاريخية لمكة المكرمة والحرم المكي الشريف لذكر من قام بأول عملية تسوية لأرض المسعى الواقعة بين جبلي الصفا والمروة، وتمهيدها وإزالة الأحجار والعقبات منها، لأن أرض المسعى كانت وادياً بين هذين الجبلين وفيها ارتفاع، وانخفاض، واعوجاج، كما كانت تتعرض كثيراً للسيول والأمطار. ومعلوم أن توسعة الخليفة المهدي العباسي للحرم المكي الشريف تعد من أعظم التوسعات للحرم، قبل التوسعة السعودية، وقد استنتج بعض المؤرخين أن تكون تلك التوسعة قد شملت جزءاً من أرض المسعى، بعد أن تمت إزالة بعض الدور والدكاكين وقد توالت من بعده أعمال الخلفاء والملوك. وفي العهد السعودي أمر الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود (1293-1373هـ)، مؤسس الدولة السعودية رحمه الله تعالى في سنة (1345هـ)، بفرش المسعى بالحجارة منعاً لإثارة التراب والغبار، فسهل السّعي بعد رصف وتبليط المسعى، وأيضاً تسقيفه في عام 1366هـ، حيث بلغ عرض السقيفة التي أمر الملك عبد العزيز بإنشائها (20 متراً) وبطول (350 متراً) من الصفا وحتى المروة، ماعدا ثمانية أمتار متبقية لبلوغ المروة، مقابل باب علي وتركت لتكون بمثابة الميدان... ثم قال: ولهذا أمر الملك سعود - رحمه الله - في عام 1368هـ بالبدء في توسعة شاملة لبيت الله الحرام وعمارته في ثلاث مراحل شملت إزالة المنشآت السكنية والتجارية التي كانت قائمة في الجهة المقابلة للمسجد شرق المسعى، وكان منها: المدرسة المحمدية الابتدائية، وكذلك إزالة المباني التي كانت قريبة من المروة، ثم بدئ في بناء الدور الأرضي من المسعى وإدخاله داخل المسجد الحرام، ومن ثم تم بناء الطابقين اللذين في المسعى واللذين سبق الإشارة إليهما لاستيعاب أكبر عدد ممكن من الساعين، وبلغ طول المسعى (395 متراً)، وبعرض (20 متراً)، وبلغ ارتفاع الدور الأرضي للمسعى (11.75 متراً) والدور الثاني (8.5 متر)... إلى أن قال:.. ونتيجة لهذه التعديلات والترميمات دمج المسعى داخل مباني المسجد الحرام. ثم ذكر كلام الفقهاء السابقين: وقال الإمام النووي: قال الشافعي والأصحاب: (لا يجوز السعي في غير موضع السعي، فمن مرَّ وراء موضع السعي في زقاق العطارين أو غيره لم يصح سعيه، لأن السعي مختص بمكان فلا يجوز فعله في غيره، كالطواف...). قال الشافعي في القديم: (فإن التوى شيئاً يسيراً أجزأه ولو أعدل حتى يفارق الوادي المؤدي إلى زقاق العطارين لم يجزئه، وكذا قال الدارمي: إن التوى في السعي يسيراً جاز، وإن دخل المسجد أو زقاق العطارين فلا). وخلال الأعوام 1374هـ، 1378هـ،1380هـ شكلت لجنة لدراسة وضع الصفا والمروة وإضافة دار آل الشيبي، ومحل الأغوات الواقعين بين موضع السعي، من كل من الشيخ عبد الملك بن إبراهيم، ووالدي الشيخ عبد الله بن دهيش، والشيخ عبد الله بن جاسر، والسيد علوي مالكي، والشيخ يحيى أمان. وقد جاء من ضمن قرار اللجنة وحيثياته ما يلي: ثم ذكر كلام اللجنة إلى أن قالت: .. فقد جرى ذرع عرض الصفا ابتداءً من الطرف الغربي للصخرات إلى نهايته محاذياً الطرف الشرقي للصخرات المذكورة في مسامته موضع العقود القديمة فظهر أن العرض المذكور يبلغ ستة عشر متراً، وعليه فلا مانع من توسعة مكان الصعود المذكور في حدود العرض الموجود على أن يكون مكان الصعود متجهاً إلى ناحية الكعبة المشرفة ليحصل بذلك استقبال القبلة كما هو السنة، وليحصل الاستيعاب المطلوب شرعاً. انتهى باختصار شديد.
المسعى الجديد
* هل نفهم أن السعي في المسعى الجديد موافق للضوابط الشرعية؟
- المسعى منسك من مناسك الحج كعرفة ومزدلفة ومنى وقد حدده الله سبحانه وتعالى لنا في قوله: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ} (158) سورة البقرة، فهذان الجبلان الطواف بينهما هو الرابط الأصلي والرابط الوحيد والمساندة ما بين الجبلين طولاً هذا هو المنصوص عليه في القرآن وهذا ما أجمع عليه علماء وفقهاء العالم الإسلامي قديماً وحديثاً، يبقى الآن النظر في تحديد قضية الجبل هل هو ممتد من الناحية الشرقية والغربية أم لا؟! مع أن الباحثين المختصين يقررون امتداده من الجهة الشرقية، وحتى من الناحية الشرعية قامت الشهود وشهد الشهود وثبتت شهادة قرابة الثلاثين شاهداً معدلين في المحكمة الشرعية في مكة بأن جبل الصفا هو أوسع وأعرض مما هو مشاهد ومحسوس، ذكره الدكتور سعود الفنيسان في بحث له.
إذن الوصف الوارد في الشريعة في تحديد مناسك السعي بين الصفا والمروة مرتبط بالمسافة بين الجبلين شمالاً وجنوباً، أما الاتساع فلا يوجد تعريف وتحديد لحدود السعي من الناحيتين الشرقية والغربية، ولذلك في مراحل تاريخية في حياة المسلمين كان المسعى يتسع ويضيق بحسب أحوال الناس وبحسب احتياجاتهم وقد ذكر عدد من المؤرخين مثل ابن كثير وغيره بأن هناك تغيرات في اتساع وضيق المسعى، يقول المؤرخ الثقة أبو الوليد الأزرقي في كتابه أخبار مكة: وذرع ما بين الصفا والمروة سبعمائة ذراع وست وستون ذراعاً ونصف ذراع (766.5)، وذرع ما بين العلم الذي على باب المسجد إلى العلم الذي بحذائه على باب دار العباس بن عبد المطلب وبينهما عرض المسعى: خمس وثلاثون ذراعاً ونصف الذراع (35.5)، ومن العلم الذي على دار العباس إلى العلم الذي عند دار ابن عباد الذي بحذاء العلم في حد العمارة بينهما مائة ذراع وواحد وعشرون ذراعاً (121)، قلت: وهذا طول المسيل أو الوادي الذي يرمل فيه بين العلمين. وذكر البكري في كتابه (المسالك والممالك) أن طول المسافة ما بين العلمين في المسعى هي (112) ذراعاً أي بما يقل عما حدده الأزرقي بـ(9) أذرع. واختلف المؤرخون في تقدير ما زاد على الذراع فيما بين الصفا والمروة أو ما بين العلمين، فمحمد بن إسحاق الفاكهي يقدِّر نصف الذراع بـ(20) إصبعاً. وقدَّر البكري نصف الذراع في عرض المسعى بـ(12) إصبعاً في حين أن الأزرقي اكتفى بذكر نصف الذراع مجمل دون تحديده بالأصابع. كذلك لدينا أيضاً نصوص كثيرة للفقهاء يذكرون فيها بصراحة أن الفقهاء ما اشتغلوا بتحديد عرض المسعى بل أبانوا ما أبانه النص الشرعي من حيث امتداد المسعى شمالاً وجنوباً، وهذا وارد في نصوص عددٍ يعني من الفقهاء القدامى والمعاصرين. وكل زيادة في مساحة المسجد تعتبر شرعاً داخله فيه إذا القاعدة عند الفقهاء (أن الزيادة لها حكم المزيد) (وما بين الشرق والغرب قبله) فلو أدخلت بعض أحياء مكة في الحرم لكانت مسجداً.
لا حرج في الخلاف
* حسناً ما الموقف من خلاف العلماء في هذه المسألة؟
- الخلاف أمر موجود ولا أجد حرجاً في ذلك لكن أنتهز هذه الفرصة وأتوجه بالشكر الجزيل لمعالي الشيخ عبد الله بن منيع عضو هيئة كبار العلماء الذي أروى الغليل ببيانه وقطع البلبلة والتشويش عند العامة، ومما أسعدني وسرني أنه طرح الأدلة المخالفة ثم أجاب عنها وخاصة أنه معاصر لمشايخنا الذين يرون عدم السعي بهذه الصفة، ولعلي أذكر كلمة معاليه الفاصلة في الموضوع من وجهة نظري (أقول أنا عبد الله المنيع: في عرض المسعى نص صريح من كتاب الله تعالى وهو آية {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا}، فهذا نصٌّ يدل على أن عرض المسعى ما تحققت فيه البينونة بين الصفا والمروة، وهو نصٌّ صريح من كتاب الله تعالى على أن عرض المسعى هو عرض جبلي الصفا والمروة من الغرب إلى الشرق وقد قامت البينة العادلة على أن توسعة الملك عبدالله لم تتجاوز عرض الجبلين- الصفا والمروة - من الغرب إلى الشرق، وحيث اختار ولي الأمر القول بجواز التوسعة، وقد قال بهذا القول بعض أعضاء هيئة كبار العلماء، وولي الأمر هو الحاكم العام. والقاعدة الفقهية أن حكم الحاكم يرفع الخلاف في قضية من قضايا مسائل الخلاف إذا حكم فيها بأحد أقوال أهل العلم بما لا يخالف نصاً صريحاً من كتاب الله أو من سنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - أو بما انعقد عليه إجماع الأمة، ولا شك أن التوسعة محققة للمصلحة في خدمة ضيوف الرحمن، وفي الأخذ بها دفعٌ للأضرار المحتمل وقوعها عليهم، وحيث إن الشهادة بامتداد جبلي الصفا والمروة شرقاً عن وضعهما الحالي بما لا يقل عن عشرين متراً يعتبر إثباتاً مقدماً على نفي مَنْ ينفي ذلك، وبناءً على ما سبق ذكره من أن التوسعة لا تتجاوز ما بين الصفا والمروة فالسعي فيها سعي بين الصفا والمروة، فلا يظهر لي مانع شرعي من توسعة المسعى عرضاً بما لا يتجاوز ما بين الصفا والمروة، وأن السعي في هذه الزيادة سعي بين الصفا والمروة، هذا ما ظهر لي).. انتهى كلام الشيخ عبد الله المنيع مشكوراً.
تحفظ بعض العلماء
* كيف تقرؤون تحفظ بعض أعضاء هيئة كبار العلماء عن القول بالجواز؟
- اطلعت على الفتوى وقرأتها أكثر من مرة وكانت حديثاً لعدد من مجالس العلم التي حضرتها وربما اجتماعنا لأجل مناقشة هذه الفتوى وكيفية التوفيق بين المانع والمجيز ولذلك لما عرض أمر التوسعة على هيئة كبار العلماء اختلف اجتهادهم في كيفية هذه الزيادة لا في أصلها فمنهم مَنْ منع الزيادة في عرض المسعى ورأى أن تكون الزيادة رأسياً بزيادة الأدوار. ومنهم من أجاز الزيادة الأفقية في عرض المسعى وهو الذي عليه جرت توسعة خادم الحرمين الشريفين الحالية وهو الموافق للدليل من وجهة نظري فتحديد عرض المسعى ليس فيه دليل نصي يوقف عنده بل كل ما نص عليه العلماء هو وجوب الاستيعاب في السعي طولاً ما بين جبلي الصفا والمروة، فتوسعة الملك عبد الله الحالية في الدور الأرضي هي أولى من بناء أدوار عليا كما يراه أكثر أعضاء هيئة كبار العلماء عندنا بالمملكة لأنه أسهل على الحجاج والمعتمرين وخاصة كبار السن والعجزة والنساء.. ثم الفتوى استندت إلى رأي سابق لسماحة مفتي عام المملكة الراحل الشيخ محمد بن إبراهيم - رحمه الله - الذي أمر بتشكيل لجنة لمتابعة درج السعي حسب فهمي ووجهة نظري إضافة لتعليلات ذكرت في بيان هيئة كبار العلماء ذكر معالي الشيخ ابن منيع طرفاً منها في بيانه وأجاب عنه بعناية فائقة.
أعداد الحجاج
* أعداد الحجاج وتوسعة المسعى نسبة وتناسب فهل تؤيدون ذلك؟
- نعم وبكل وضوح فعرض المسعى السابق هو عشرون متراً مع أن العرض كما قرأت كان يتراوح ما بين 9 أمتار إلى 11 متراً وذلك أثناء وقبل التوسعة السعودية الأولى، ثم أصبحت التوسعة إلى عشرين متراً وهذه العشرون متراً كان منها عشرة مخصصة للقاصدين من جبل الصفا إلى المروة وعشرة أمتار للعائدين من جبل المروة إلى جبل الصفا، لكن بعد التوسعة الجديدة لخادم الحرمين فيما يخص المسعى سيكون هناك عشرون متراً للقاصدين من جبل الصفا إلى جبل المروة، وعشرون متراً للعائدين من جبل المروة إلى جبل الصفا، وستخصص من هذه العشرين متراً ثلاثة أمتار للعربات ولكبار السن، وهذا سيكون في الأدوار الأرضي والأول والثاني والسطح، حيث ستتم زيادة دور كامل أيضاً كما ذكره المهندس أسامة البار أمين العاصمة المقدسة أن توسعة التوسعة الجديدة ستضاعف استيعابية المسعى بما يزيد على 150% من السابق، وذلك بإضافة دور كامل وأيضاً إضافة الجزء الممتد شرقاً في التوسعة الجديدة، كانت استيعابية المسعى في ذلك الوقت في حدود 28 ألف ساعٍ في الساعة الواحدة، وفي ثلاثة الأدوار إذا كان هناك وقت الذروة لا تزيد الاستيعابية عن 45 ألف ساعٍ في الساعة، الآن التوسعة الجديدة إن شاء الله سوف تزيد بالطاقة الاستيعابية إلى ما يزيد على 100 ألف ساعٍ في الساعة، وهذا سوف يضاعف الاستيعابية لمشعر المسعى وسوف ييسر على المسلمين أيضاً، وسوف ييسر على كبار السن والمعاقين حركياً في وجود مساحة كبيرة مخصصة لهم ضمن مشروع تطوير المسعى الجديد الذي أمر به خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز حفظه الله.
توسيع دائرة الفتوى
* هل تؤيدون توسيع دائرة الفتوى في المسعى لتشمل عدداً أكبر من علماء العالم الإسلامي؟
- الإعلام أكد على هذه الفرضية فنحن نطالع الآن حملة موسعة لجمع آراء العلماء حول الإشادة بهذه التوسعة الملحة التي رأى خادم الحرمين أهميتها في الوقت المعاصر، والذي يهمنا الآن في الخلاف بين علمائنا هو حدود عرض المسعى، وأما المسألة الفقهية فمرجعها إلى الهيئات التي تضم جمعاً من العلماء كرابطة العالم الإسلامي أو المجمع الفقهي، لأن مثل هذه المسائل لا يصلح فيها اجتهاد عالمٍ واحدٍ بل يجب أن يجتمع لها نخبة من العلماء يتباحثون الأمر ويناقشون جوانبه حتى يصلوا إلى رأي يكون أقرب إلى الصواب من رأي الفرد، ولأن هذا المشاعر ليست حكراً على أحد أو مِلكاً لفئة من الناس بل هي للأمة الإسلامية في كل زمان ومكان وأقترح على الأمانة العامة لهيئة كبار العلماء أن تختار عدداً من العلماء البارزين على مستوى العالم الإسلامي لتناقش معهم مثل هذه القضايا التي تهم المسلمين عامة وليس الشأن المحلي فقط، ثم لا يلزم الإجماع في مثل هذا المسائل لأن الاختلاف في مجمل مسائل الحج كثيرة، فلا يمكن أن تصل إلى إجماع في كل التفاصيل ولذا سيبقى لدينا خلاف، وستبقى لدينا آراء وكما لاحظنا سابقاً هناك مَنْ تحفظ على بعض التيسيرات المتعلقة بالرمي، ولكن بعد فوات الأوان وذهاب مئات الأنفس تحركوا في الفتوى وأوضحوا فيها رخصاً كان يقول بها بعض العلماء من عقود وخاصة جواز رمي الجمرات ليلاً وقبل الزوال ليوم الثاني عشر من أيام التشريق ..الإجماع قد لا يتحصل في مثل هذه المسائل فأرى أنه لو أفتى علماء من أهل الثقة أمام هذه الحالة من الازدحام وضرورة أن يكون هناك راحة للحجاج وتخفيف عليهم أرى أن يُؤخذ بهذه الفتوى ويُحترم رأي المخالفين ويجب أن تتسع صدورنا للخلاف في الأمور التي يسع فيها الخلاف وتدعو لها الضرورة والحاجة ومنها توسعة المسعى والمشاعر المقدسة فيما يقدره ولي الأمر خادم الحرمين الشريفين الذي بيده أمر الحج وتسهيل أداء شعائره للمسلمين.
* بماذا تود أن تختم حديثك؟
- أعود وأذكر الجميع بأن الخلاف في موضوع التوسعة هو خلاف جيولوجي أو جغرافي ونجد ذلك في استناد هيئة كبار العلماء وغيرها إلى شهادة كبار السن ومثله بيان معالي الشيخ عبد الله بن منيع ورأي سماحة الشيخ عبد الله بن جبرين وغيرهم من العلماء وأجد أن نرجع الأمر إذن لمعهد خادم الحرمين الشريفين لأبحاث الحج بتحديد النقاط الإحداثية لجبلي الصفا والمروة، التي قامت عليها التوسعة تفعيلاً للتقنية الحديثة البالغة الدقة وألا نقفَ فقط عند إفادة عدد من كبار السن الذين أدركوا عصوراً وأجيالاً سابقةً تم تثبيت شهادتهم في المحكمة فهناك علماء الأرض والباحثون الجغرافيون يختصرون لنا الوقت ويقدمون البحوث بين يدي مشايخنا وعلمائنا ليسهل لهم الفتوى بعد شمولية وزيادة معلومات متخصصة في هذا المجال أسوةً باستعانة هيئة كبار العلماء بالأطباء في المسائل الطبية والاقتصاديين في الأمور المالية والبطاقات والأسهم والسندات الخ.. أسأل الله أنْ يجزيَ خادمَ الحرمين الشريفين خيرَ الجزاء وأوفاه على ما بذلَ في خدمة الحرمين وتيسير أمر الحج والعمرة ليكون سهلاً مريحاً وأمناً للقاصدين والزائرين.