كثرت الأقاويل والتخرصات حول حرب المخيمات الخاطفة في الصيف الماضي، التي دارت رحاها في مخيم نهر البارد في لبنان، ولكن أجمعت التحليلات السياسية على كونها حرباً بين المخابرات السورية ومحاور نفوذها في لبنان (المعارضة) من جهة، وبين الجيش اللبناني ممثلاً بالسلطة هناك من جهة أخرى؛ حيث تم خلال هذه الحرب إمداد الجيش اللبناني بكمية من الأسلحة من جهات دولية، تضمن قوته وسيطرته على الأوضاع الأمنية هناك في حال نشوب مواجهات معينة مع حزب الله المسلح.
المخابرات الغامضة أججت البُعد الطائفي في المشهد لهدفين:- الأول هو إيجاد غطاء شرعي للحرب، ولاسيما أنه متصل بالقضية الفلسطينية، وحتما سيجد له تأييداً على المستوى الشعبي. والأمر الثاني هو استقطاب وقود لتلك المحرقة من أجساد الشباب البسطاء والمغرر بهم في العالم العربي.
نشرت جريدة الوطن السعودية، يوم السبت الماضي، أسماء بعض من المقاتلين الذين يواجهون المحاكمة في لبنان، وبين (150) مقاتلاً كان هناك (51) شاباً سعودياً، أي ما يفوق الثلث قد ذهبوا للانخراط في حرب غامضة ومريبة غير واضحة الغايات أو الأطراف.
والمتأمل لأعمار الشباب الذين نشرت أعمارهم مع أسمائهم، يجد أنهم جميعهم في ميعة الصبا، من مواليد الثمانينات الميلادية، أي في زهو العشرين وتوهجه؟ جميعهم انطلقوا من هنا؟ وسنسأل نحن لماذا؟ ولن ننتظر العالم كله أن يسأل، سنتألم ونلتاع، ونعجب، مَنْ الذي قصف هذه الكوكبة من بيوتها وقذف بها وقوداً سريع الاشتعال، تحت قِدْر يغلي بالطائفية؟ مَنْ الذي سفح الدماء رخيصة، وطوح بهم هناك مخلفين وراءهم أُمّاً مكلومة تئن وأباً يتوجع؟ مَنْ الذي جيشهم؟ مَنْ الذي امتص رونق الحياة من أطرافهم واستبدلها بسائل البغض والكراهية والرغبة في الدمار والفناء؟ مَنْ الذي ما زال يضع أحبولة أمام شاب يكابد أولى خطواته في الحياة؛ ليقتنصه ويسفك دمه فوق مذبح الطائفية، والعِرقية، ومخططات أمراء الحرب، وتجار السلاح؟ مَنْ الذي اختطف هؤلاء من مشروعهم الوطني؟ وهمهم الوطني؟ وغدهم ومستقبلهم؟ وظل هو آمناً في مكمنه وبين سربه؟ ما زالت نيران الكراهية تتأجج, وفتاوى التكفير تطوف بيننا، والخطط الظلامية تحاك، تستقطب وتجيش وتلقي بأحجارها في البئر الذي نشرب منه.
لماذا؟ نحن مَنْ يجب أن يسأل هذا السؤال؟ قبل العالم الخارجي؟