حسن الخلق عكس سوء الخلق، الذي يجعل الإنسان غليظا فظا في تعامله مع الآخرين، ومشكلة البعض أنه يدقق في كل صغيرة وكبيرة من خلال تعامله اليومي، سواء مع زملاء العمل أو في حياته الخاصة أو العامة، وكأنه يستمتع في إقحام نفسه في المشاكل. وليس من العقل أن تندلع الخلافات كل ساعة ودقيقة بسبب كلمات أو تصرفات قد تكون غير مقصودة من الآخرين كالتأخر عن موعد، أو عدم إنجاز وعد، أو كلمة غير مقصودة في حديث عابر، أو حتى تصرف غير مقصود!! فلا يمكن أن يخلو شخص من نقص، ومن الصعوبة على أي إنسان أن يجد ما يتوقعه في من يتعامل، فالناس يختلفون في طبائعهم، وقناعاتهم، وثقافاتهم، وتنشئتهم الاجتماعية مما يجعل اللين وحسن الخلق أمرا مهما في كل قواميس التعامل إضافة إلى أهمية العبارات في محيط تعاملنا، فالكثير من العبارات الراقية في التعامل تغيب عن قواميس تعاملاتنا اليومية ولا ننميها في أبنائنا مثل: من فضلك، المعذرة، حضرتك، آسف جدا، جزاك الله خيرا، شكرا جزيلا لك، أعزك الله، أكرمك الله، آسف للإزعاج، بارك الله فيك وغيرها كثير... وهي عبارات تقربنا من الآخرين وتجذبنا لهم، فلو أخطأ صديق فلابد أن نبحث له عن العذر حتى يتعرف بنفسه على خطأه، ويتعلم منه، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم رحيما شديد التحكم في انفعالاته. ففي يوم بينما الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه جالسون في المسجد، أتى رجل ودخل المسجد ثم قام يبول في المسجد، فغضب الصحابة، وصاحوا به مطالبينه بالتوقف عما يفعل. لكن النبي صلى الله عليه تصرف مع هذا الرجل من خلال كونه جاهل غير متعلم، ولا يقصد الإهانة للمسجد، فما كان من الرسول إلا أن أمر أصحابه بترك الرجل حتى ينتهي، ثم جاءه الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بنفسه وقال له بلطف: إن هذا المكان لا يصلح لمثل ما فعل فتأثر الرجل من حسن معاملة الرسول الكريم وجمال أخلاقه فقال: (اللهم ارحمني ومحمدا ولا ترحم معنا أحدا) فقال له رسول الله: (لقد ضيقت واسعا) كما أن هناك ممن يصلون إلى مناصب مرموقة في الجهات التي يعملون فيها، أو ممن يبسط الله لهم في الرزق فتجد أن طبائعهم تتغير ليحل العبوس والتجهم محل البشاشة، بحجة أن ذلك يولد الوقار والهيبة لاكتساب الاحترام من الآخرين رغم أن كل تلك الممارسات ليست من حسن الخلق في شيء.. فالرسول الكريم لم يكن متجهما، ولم يكن فظا أو غليظ القلب قال تعالى لرسوله الكريم: {وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ} فكان عليه الصلاة والسلام يوما يأكل تمرا مع أصحابه ومنهم علي بن أبي طالب الذي كان يأكل ويضع النوى أمام الرسول الكريم وما إن انتهوا من الأكل قال علي بن أبي طالب للرسول: آكل هذا التمر أكلته يا رسول الله؟ فقال النبي مداعبا: وهل أكلت التمر بالنوى يا علي) وأتت النبي عجوز وسألته أأدخل الجنة يا رسول الله؟ فقال: لن يدخل الجنة عجوز، فبكت، فقال النبي: إنك لست بعجوز يومئذ. وللصحابي معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه مقولة شهيرة يقول فيها: (لو أن بيني وبين الناس شعرة ما قطعتها إن شدو أرخيت وأن أرخو شددت) والتعامل مع الآخرين يتطلب قدرا كبيرا من الحكمة والتروي والخبرة ومن يملك فن التغافل المحمود عن تصرفات وممارسات الآخرين، يستطيع التعامل مع المواقف الصعبة، التي يفشل فيها الآخرون من أول اختبار، ولقد أكد ذلك كله الإمام الشافعي، فقال: (رأينا خطأ يحتمل الصواب، ورأي غيرنا صواب يحتمل الخطأ)، وهو بذلك يؤكد حق الاختلاف، واحترام الرأي الآخر. فلنتغاضى عن بعض تصرفات من حولنا ولا ندقق في كل كبيرة وصغيرة، ولا نحاول أن نتصيد الفرص لالتقاط أخطاء الآخرين لنعاتبهم أو نقاطعهم، حتى تسير الحياة سعيدة، وتستمر علاقاتنا مع الآخرين عقلانية وهانئة لا تكدرها صغائر الأمور وتوافهها، فالكثير من الصداقات والعلاقات الاجتماعية التي استمرت سنوات طويلة انتهت فجأة، إما بسبب كلمة أو موقف، أو تصرف من أحد الطرفين ففشل فيها الطرفان في التسامح أو التغافل أو المصارحة الناضجة.