قبل أعوام كنت أتوقع - ساخراً - أنه سيأتي اليوم الذي تحمل فيه كل عجوز في الخليج هاتفاً نقالاً، وستكبد تلك العجوز ذويها المبالغ الطائلة بفضل ارتفاع أسعار المكالمات المحمولة؛ لأنها سوف تبقى طوال اليوم (تقرّ) مع صويحباتها العجائز ويتذكرن أيام الصبا وربيع العمر، وستكون فواتير المكالمة مضاعفة إذا ما كانت تلك العجوز (خرفة) أو عجوز سوء مهمتها التفريق وحبك المؤامرات بين القلوب المتحابة - كما كانت مهمتها التقليدية في السابق - تلك المهنة التي نالها الكثير من هجاء الشعراء - العشاق الذين (حاشهم) كثيراً شرر نيران (عجز السوء). ولأن تلك المهنة الشريرة قد تلاشت بفضل تطور العصر إلا أنها ستعود اليوم بفضل تطور العصر أيضاً من خلال الهواتف النقالة التي تربطها بعض العجائز بأحزمتهن كما كن يربطن مفاتيحهن الخاصة في تلك الأحزمة. واليوم وما كنت أسخر منه بالأمس فقد تحقق اليوم وأصبحت الأسرة كلها تحمل جوالاتها الخاصة بدءاً من الطفل الرضيع الذي يحمل (رضاعته) بيد ويحمل (جواله) باليد الأخرى إلى العجوز التي تحمل عكازتها بيد وجوالها باليد الأخرى. ومن هنا فإننا لا نلوم مجلس الشورى الموقر على عزمه فتح ملف تكاليف الاتصالات التي وصفها بعض الإخوة الأعضاء ب(المرهقة)؛ لأنها تستهلك من المواطنين ما يعادل 25% من رواتبهم الشهرية.
وهذه بالطبع حقيقة واقعة ومرعبة؛ لأن (هذرنا) الهوائي يكلفنا ربع دخلنا الشهري، حتى ولو كنا (نتهاذر) عبر الهاتف النقال بين بعضنا البعض ونحن تحت سقف واحد وفي بيت واحد، وهذا ما هو (حاصل) - للأسف الشديد - لدرجة أننا نسينا أن هنالك شيئاً يقبع في زاوية الإهمال وفي إحدى زوايا البيت اسمه الهاتف الآلي (الثابت) الذي كثيراً ما مجدنا فعله حينما كان نادر الوجود؛ لذلك قال أحد شعراء السبعينيات من القرن المنصرم:
(على الهاتف الدولي بعيد المسافات
يكلمني المحبوب زين الصفاتي)
ثم حينما انبهرنا باكتشاف (البيجر) أو النداء الآلي قال الشاعر الأكثر تطوراً:
(أن لقيت الخط مشغولي
دق لي بالندا الآلي)
وحينما كان واحدنا يصاب بالإحباط من عدم الرد على البيجر كان يقول حانقاً:
(البيجر اللي ما يجاوبك راعيه
ودك تكسر بيجره فوق راسه)
ما علينا من ذلك كله بل علينا من هذا الصرف الجائر على (الهذر) الفارغ عبر (المحمول أو النقال أو الجوال)؛ فلمَ لا تُقدِّم هيئة الاتصالات أو شركة الاتصالات خدمة الاتصال من الهاتف الثابت للهاتف الجوال (بلا صفر)، ولا سيما أننا سمعنا أن هنالك شركات قادمة ستطرح هذه الخدمة، وبما أننا (نصفط) الخير لشركتنا العزيزة فلمَ لا تُقدم على ذلك؟ ثم إنني لا أستغرب أن يأتي اليوم الذي يكون فيه لكل عجوز في الخليج قناتها الخاصة لتقصَّ على الأطفال حكايات الجن والسعلاة وأم السعف والليف، ولمَ لا؟!!