لم أكُ يوماً بالحرف مشتغلاً ولا ذا قلم، ولكن طعم الحزن والحنين أنطقني، وتعطلت قدرة الإحساس عن التعبير والوصف، فالفؤاد اليوم منفطر والعين تذرف الدمع، فقد فجعت فيك يا أعز الناس وأحبهم إلى نفسي، فلفراقك ألم وحسرة وأي ألم؟، أواه يا ربي ما أقساه وما أوجعه من أمر، أن أرى أنيس الروح وقد لُفّ في كفن، حملناك على الأكتاف في الحدباء يا أبتِ إلى مثواك الأخير في البقيع مع الفجر، حيث أواسي رأسك الغالي في طرف من اللحدِ، راجياً لك العفو والثبات في السؤل، سائلاً رب العباد الكريم سامع الصوت أن يؤنس وحشتك ويغسلك بالماء والبرد، نم قرير العين بما حباك به الواحد الأحد، في السكرات من ثباتٍ على الذكر والحمد، وهنيئا لك بحب الناس وذكرك العطرِ، فالكل يثني على خصالك ويطريك بالخير. أستاذي عدت أنظر إلى مكتبك والورق والقلمِ، وقد ارتدى وشاح الحزن وبات في صمت، فالكتاب فيه يبكيكَ والمقال والكرسي يسألون عن الأستاذ رفيق الدرب والزمن، فهناك أكثر من فكرةٍ كتبت وكثير لم يكتب، وبعض أفكارٍ بلا زمنٍ بعدُ لم تنشر، فبكيت في حرقةٍ وقلت في ألمٍ، قد صار إلى جوار ربٍ رحيمٍ مقتدر، ولم يعد بالجوارِ أنيس أقبّل راحتيه والرأس، مستبشراً كل يوم برضاه وبالأنس. آه .. كم اشتقت إليك يا أعز الناس يا أبتِ، أم تراني أصبحت كالمشتاق بلا أملِ، فقد كنت المعلم والمربي وصديق العمر، نصبو إليك فنرتوي من نبع حنانك والعطف، ونشكو إليك هموم الحياة ومتاعب الدهر، فتطيب الخاطر بدررِ الكلام وبخير نصحِ. اللهم واغفر له وحط عنه ثقل الأوزارِ، وهب له بالقرآن شمائل الأبرار، اللهم أنت ربه وأنت خلقته وهديته للإسلام فأدخله في عفوك وأنت راضٍ عنه غير غضبان، اللهم واجمعنا به في دار كريمةٍ وجنان، بصحبة المصطفى عليه أفضل الصلاة والسلام.