ليس في الدعوة إلى التقوى من بأس في حالة الاستقامة على المأمور. فلقد قال الله لرسوله: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ..} وحين تكون الدعوة مشروعة على كل الأحوال فإنها في حالة الضعف أو التقصير أدعى وآكد.
ومعالي وزير الصحة بذاته خير من يدعى للتقوى، ولن تأخذه العزة بالإثم فهو مثل الوفاء بالعهد والإنجاز للوعد، تسنم المنصب دون استشراف وشَرَى نفسه ابتغاء مرضاة ضميره الحي، وما يعرض لقطاعة من تقصير يحالُ إلى ما لا يملك، وفي الدعاء (فلا تؤاخذني فيما لا أملك). وفي الذكر الحكيم {لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا} غير أن من الأحوال ما لا يمكن احتمالها ولا الإغماض فيها تحت أي ظرف ولو فرغ المسؤول لها دون ما سواها لما لامه اللوَّم، ولعلَّ معاليه والمعنين من حوله شهدوا ما بثته (قناة الإخبارية) مساء يوم الاثنين 22-4- 1429هـ عما تعرضت له مواطنة سعودية في مستشفى أهلي أدى إلى عاهات مستديمة أدناها قطع نسلها وحبس بولها، هذه التعديات الجاهلة مرت عليها ستة أشهر وذووها يطاردون سراب القيعان، بينما المغترفون للأخطاء المهلكة يمارسون عملهم في راحة واطمئنان بمباركة وحماية من وزارة الصحة، هذا ما فهمناه مبثوثاً بالصوت والصورة، والعُهدةُ على الراوي (ولو ترك القطا لنام)..
وما سمعه القاصي والداني على شاشة الإخبارية، مؤلم ومخجل، مؤلم لأنه عبث بالأجسام وانتهاك لمهنة الطب، ومخجل لأنه استخفاف بالإنسان السعودي واستهتار بحياته واستغلال لفوضى العمل وغفلة الرقيب ومَطْل اللامبالي ولو أن ما دون ذلك من الأخطاء اقترفها مواطن سعودي بحق وافد لقامت المنظمات العالمية والإذاعات والصحف والمحطات الفضائية وحُمِّلنا أوزاراً مع أوزارنا وها نحن نشهد ونشاهد جنايات قاتلة محسوبة على الأخطاء الطبية، وما هي إلا جنايات يقترفها جهلة أو غير متخصصين، والمواطنة السعودية التي روت مأساتها بكت وأبكت واستعدت ربها على من عبث بأهم الأجهزة في جسمها وقد مورس ذلك من فريق طبي غير سعودي، ولم نسمع عن أي إجراء تحفظي بحق الطبيب العابث أو المستشفى المستهتر، ولم تسهم الوزارة ولا مستشفياتها بأي خطوة إيجابية تُقِلُّ اللومَ والعقاب، وإنما تم استقبال الحالة من قبل مدينة الملك عبدالعزيز الطبية، وهي ليست تابعة لوزارة الصحة، وبعد إنقاذ حياتِها أعد تقرير طبي استُقْبِل بكل برودة من قبل الوزارة، وكأنه خطأ طبيب بيطري حيث زجت القضية في دوَّامة الروتين وكأن الأمر لا يعنيها، على أن وليَّ المرأة بعدما ضاقت عليه الأرض بما رحبت وقف وجهاً لوجه أمام معالي الوزير، وقد أثنى الولي على تفاعل معاليه، ولكنه عاد كما كان من قبل، ومن ثم لم تكن أي خطوة إيجابية تأسو أو تواسى أو تتوجع مع أن الوزير أبدى اهتمامه، ولكن من دون الوزير خذل الولي وأعاده من جديد في دورة مملة، ولا عبرة بالإجراءات الروتينية التي تتقاذف الأوراق وتبعث على الملل والإحباط، فالقضية ليست معاملة ورقية تتعلق بأشياء مادية لا تملك شعوراً ولا كرامة إنها تتعلق بأنفس وكرامات مزهقة ومهانة، وعلى افتراض أن المريضة وذويها مخطئون ومفترون للكذب على المستشفى والوزارة فإن من واجب المسؤولين المبادرة لرَدْعهم حماية لسمعتها وسمعة المستشفيات الأهلية، فالسكوت في الحالين إدانة لكل الأطراف المعنية..
لقد بكى كل من سمع المريضة وهي تحكي مأساتها، وبكاؤهم ليس على ما مضى ولكنه الخوف مما سيأتي، لأننا بهذا الهوان لا نستطيع رد أيدي المتلاعبين فضلاً عن قطعها والمال السايب يعلم السرقة، فأين منظمات حقوق الإنسان الرسمية والأهلية في الداخل عن مثل هذه الانتهاكات الصارخة والمماطلات الموجعة؟ ولماذا يحتاج المظلوم إلى عرض مظلمته عبر الصحف والقنوات لتحريك المشاعر المتبلدة ورد المظلمة..
وعلى ضوء ما سلف فإن أمام معالي الوزير - وهو وحدة مبعث الاطمئنان - أمرين لا ثالث لهما:-
- قطع ألسنة المفترين على الوزارة والمستشفيات الأهلية إن كان ما يشاع كذباً أو حتى مبالغاً فيه.
- أو قطع أيدي المقترفين للأخطاء المهلكة والمتهاونين المهملين من موظفي وزارة الصحة الذين يقابلون مثل هذه الحالات بهذا اللون من البرودة والتمييع إن كان ما قيل صحيحاً.
أما ترك الأمور على ما هي عليه ألسنة حداد تقول ما لا يحتمل وأطباء يفعلون ما لا يتصور ويجازفون بحياة المواطنين، ومسؤولون في الوزارة يفرطون بالحقوق فأمر منكر لا يمكن احتماله ولا القبول به فحياة المواطن ليست رخيصة بهذا القدر، وقضية كتلك لا يجوز تداولها وتخويف الناس من العبث والإهمال، ولا يسوغ تعذيب صاحبها مرتين في الجناية وفي المراجعات. لقد سمعنا منكراً من القول ورأينا فضيعاً من الفعل، ولا يمكن أن يكون الخصمان معاً على حق، فإن صدق القول فعلى الوزارة قطع دابر الفعل، وإن بُرِّئ الفعل فعلى الوزارة إخراس ألسنة الكذب:-
و: (إذا الجرح رمَّ على فساد
تبين فيه إهمال الطبيب)
فكيف إذا رمت جروح وضاعت حقوق.
والناس - يا معالي الوزير - بعد البث المؤلم بانتظار ما يتمخض عنه قرارك الحكيم الذي عهدناه فيك لكي تصان الكرامات والحقوق ويأمن الجميع على الحياة والسمعة، وثقتنا بمعاليه لا يمكن أن تتزعزع حتى يبلغ الكتاب أجله، أكتب ما تقرؤون وليس بيدي من الوثائق إلا ما قالته وسائل الإعلام فما كنت لديهم إذ يجرون مشارطهم ليقطعوا الرحم والحوالب والمثانة، ولست أعرف الأطراف كلها ولكن القضية فضيعة على كل الأحوال.