ثلاثة أعوام مرت على التوجه الرائد للدولة في استحداث برنامج التدريب العسكري المهني الذي أضحى قناة فاعلة للتنمية البشرية في المجالات المهنية. وهذه الخطوة متوافقة مع الاتجاهات المعاصرة في التدريب وتنمية الموارد البشرية، حيث من خلال التوأمة بين النظم العسكرية لقيم سلوكية وبين عناصر المهارة التقنية تبرز الاتجاهات الإيجابية نحو التقنية مثل الثقة والمرونة والتغلب على الصعوبات الاجتماعية ونظرتها تجاه المهنة والصعوبات النفسية التي تحد طموح المتدرب.
والتدريب بعامة والتدريب العسكري بخاصة يسهم في توفير الشروط الذاتية والموضوعية للتنمية الشاملة؛ لذا يعد التدريب أحد العناصر الأساسية في عملية التنمية العقلية الهادفة إلى تخطي الصعوبات المتعددة التي تواجه الأفراد في سوق العمل، وإذا ما قرن بالمبادئ والنظم والقيم العسكرية يمكن إحداث التوازن بين الجوانب المعرفية والمهارية والوجدانية، وهذا المنطلق والتوجه في برنامج التدريب العسكري المهني أشاد به كل مَنْ لمس نتائجه من أرباب سوق العمل الذين أتاحوا الفرصة للشباب السعودي ليمارسوا مهاراتهم المهنية والتقنية متجاوزين مقولة عدم الكفاءة وعدم الالتزام وضعف القيم المهنية.
وإن إتاحة هذه المساحة من الفرص للشباب السعودي دون قيود تذكر مع التجهيزات التقنية واللوجستية عالية المستوى، وإيجاد بيئة تدريبية مهنية منضبطة في معسكرات زودت بكل احتياجات الحياة الكريمة وبمواد وأدوات عالية الكفاءة، هو حلم عدد كبير من الشباب السعودي الباحثين عن مجالات الإعداد المهني على مستوى يواكب تطلعاتهم من جهة ومتطلبات سوق العمل من جهة أخرى، إضافة إلى أن نظام السعودة يتطلب الإعداد الجيد للكوادر الوطنية التي تستطيع تنفيذ المهام المهنية الموكلة إليها بدرجة عالية من الدقة والحرفية في مجال التدريب؛ لأن تأهيل الشباب وإعدادهم لمواجهة متطلبات المستقبل وتحدياته ينبغي أن يقوم على أسس علمية مدروسة تأخذ بالاعتبار حاجة الوطن والمواطن، وقدرات الشباب وإمكاناتهم بناء على المستجدات الحديثة والشروط الواجب توافرها في الكفاءات الوطنية اللازمة لتحقيق التنمية المستدامة.
وإذا ما علمنا أن الإحصاءات الخاصة بخريجي الثانوية العامة في المملكة العربية السعودية لعام 1425هـ تشير إلى أن عدد الخريجين 134000 طالب، ويتوقع أن يصبح عدد الخريجين الذكور لعام 1428-1429هـ (140.000) واستيعاب الجامعات من هذا العدد 7% فإن 30% من عدد الخريجين يجدون البديل الجيد الذي يكفل لهم إعداداً على مستوى عال من الدقة والكفاءة والقيم المهنية، وذلك عن طريق التدريب العسكري المهني وغيره من المجالات المتوافرة ولله الحمد.
كذلك تشير الاستراتيجية بعيدة المدى للاقتصاد السعودي إلى أنه يتوقع إجمالي نمو قوة العمل السعودي بمعدل 2.8% خلال مدة الاستراتيجية المحددة لترتفع من نحو 8.55 مليون عامل إلى نحو 15 مليون عامل عام 1444هـ.
وعلى صعيد توزيع قوة العمل الوطنية حسب مستوى التحصيل العلمي فإن طبيعة التنمية الاقتصادية المستهدفة ونطاقها تتطلب درجات عالية من المهارة والتخصص، وبالتالي يتوقع أن ينمو خريجو المرحلة الثانوية بمعدل 8.4%، وهو أعلى معدل بين الفئات التعليمية للقوى العاملة، وبالتالي ارتفاع حصتهم من إجمالي قوة العمل الوطنية من 27.5% إلى 44%.
وإنَّ الدراسة التقويمية لبرنامج التدريب سيكون له شأن في سد الثغرات المستقبلية للحاجة إلى الكوادر الوطنية المؤهلة لدعم برامج التنمية الشاملة، وهي دعوة للشباب لاستثمار هذه الفرصة العلمية العملية والحضارية التي تتيحها القيادة الناصحة والحريصة على مستقبل شباب الأمة الذين هم أمل المستقبل، والذين تُلقى عليهم الآمال في تحقيق آمال المستقبل ومواجهة تحدياته.
وفّق الله الجميع لما فيه الصالح العام.