أهدى الاحتلال الأمريكي لأفغانستان سجنا.
سجن كبير شرعت الولايات المتحدة في بنائه بعد حصار الرأي العام العالمي واستنكاره معتقل (غوانتانامو)، عندها رأى جماعة الصقور في البيت الأبيض، أن يختصروا المسافات وثمن وقود الطائرات (مرتفع الثمن) التي تنقل المعتقلين من وإلى السجن البعيد الذي يقع على ضفاف كوبا بسجن آخر في أفغانستان نفسها.
حيث عقود من الحروب وجيوش الاحتلال المتعاقبة والبنى التحتية المهلهلة، والحكم الظلامي لجماعة طالبان، ستكون حقوق الإنسان مطاطة أيضا ومتهالكة (هذا إن وجدت!) وستستوعب سجنا عظيما يقام هناك، يقهقر المنطقة إلى مزيد من العنف والوحشية وامتهان الكرامة الإنسانية، وبصمة أمريكية على المكان.
تلك المقولة المثالية الساذجة التي كانت تقول عندما تفتح مدرسة فإنك تغلق سجنا، لم تندرج في جدول أعمال المحتل في أفغانستان، ولم نسمع بأي مشروع إنساني نبيل هناك يواجه الثالوث الجهنمي الذي يلتهم البشر (الجهل - الفقر - المرض).
العالم العربي والإسلامي كان اتصاله بالعالم في العصر الحديث بعد دهور من السبات، عبر أصوات مدافع الحملات الاستعمارية، التي وإن كانت تلتهم مقدرات البلد وتسخر مواطنيه كجماعات مأجورة في خدمتها، لكن من ناحية أخرى كان هناك مدرسة، كانت هناك مستشفيات، وتأسيس الحد الأدنى من البنية التحتية للبيئة الاستعمارية.
ولكن اليوم مع الاحتلال الجديد ما بعد (11 سبتمبر) لم نسمع بمشروع إنساني واحد من الممكن أن ينشأ بجوار الجيوش والمعدات الثقيلة والصواريخ، أو أي من ملامح الفعل البشري الحضاري، حتى لو كانت مستشفى صغير يقدم الحد الأدنى من الطبابة، أو يعالج ما تخلفه أنياب الحروب على الأجساد البشرية.
فواتير الحرب الباهظة التي تعلن بين الفينة والأخرى، والتي يدفعها سكان الضرائب المغلوبين على أمرهم في الولايات المتحدة، لم يتسرب جزء منها ويؤسس مدرسة أو مستشفى، فقط مليارات الدولارات لأسلحة الدمار الشامل...... وسجن.
حقوق الإنسان بعد 11 سبتمبر باتت تعاني مأزقا كبيرا، ولم يعد يسمع في العالم سوى أصوات القوة المتعجرفة.