إذا أردت أن تحصل على المال بطريقة سريعة ومضمونة فلا حاجة إلى رأس مال أو إلى سجل تجاري، أو استئجار محل، فما عليك إلا أن تخصص لك رقما يتم الاتصال عليه لتقديم أي من الخدمات، استشارات طبية، واستشارات نفسية، واستشارات قانونية، واستشارات اجتماعية، وتفسير أحلام، وزواج، واستشارات في الأسهم، وتسديد ديون فتتقاسم مع شركة الاتصالات الإيرادات، وأذكر أن أحد الأصدقاء جاءته رسالة تتضمن القروض التي ستقدمها المؤسسة العامة للتقاعد لشراء المساكن للموظفين قبل أن تبدأ المؤسسة بهذه الخدمة، وما على المستقبل إلا إرسال رسالة على رقم تم تحديده حتى تأتيه اشتراطات المؤسسة للحصول على تلك المساكن، وبالفعل لم يصدق صاحبنا وأرسل تلك الرسالة إلى الرقم المحدد فجاءته رسالة أخرى تفيد بأنه أصبح مشتركا في احد مواقع التدريب على الطبخ، فتوالت عليه الرسائل التدريبية في الطبخ، بدءا من كيفية إعداد المعكرونة بالبشاميل وانتهاء بكيفية إعداد سلطة الفواكه، المهم أن الرسائل أصبحت تشكل إزعاجا مستمرا لصاحبنا فعاد مرة أخرى للرسالة الأولى ووجد كيفية إلغاء الاشتراك، وأن أي شخص يريد إلغاء الاشتراك عليه إرسال رسالة أخرى لتأكيد إلغاء الخدمة، ولو افترضنا أن 10% فقط من موظفي الدولة من الرجال والنساء أرسلوا رسالة إلى هذا الرقم، ثم أرسلوا رسالة أخرى لإلغاء الخدمة فكم من المبالغ التي سيتم الحصول عليها دون وجه حق ولا أدري هل حققت شركة الاتصالات في مصدر هذا التلاعب أم لا؟! ولو أردت أن تصبح أيضا من أصحاب الملايين فما عليك إلا أن تستأجر غرفة أربعة في ستة في إحدى المدن الإعلامية، والتي ستغطي مصاريف تشغيلها من خلال اتصالات المشاهدين، خاصة إذا كانت تركز على إثارة غرائز المراهقين والغريب في الأمر أن شركات الاتصالات، لازالت تفكر بعقلية تجارية بحتة وهي جني الأرباح من المكالمات بغض النظر عن مغزى تلك الاتصالات، فشركة الاتصالات السعودية على سبيل المثال لها مساهمات مشكورة في خدمة المجتمع، وكان آخرها تبرعها في تحمل تكلفة إنشاء عدد من المراكز الصحية في عدد من مناطق المملكة، وتخصيص دخل الأرقام المميزة لجمعية رعاية الأطفال المعوقين، وكان من المفترض أن تحارب مثل هذه الممارسات غير المقبولة، أو حتى يكون لوزارة الاتصالات وتقنية المعلومات، أو حتى هيئة الاتصالات دور في حجب الاتصال بتلك المواقع والقنوات الفضائية التي تعتمد في استمرارها على اتصالات المشاهدين، إذ لا زالت شركات الاتصالات تتفرج على ما يحصل من استغفال لعقول الناس، وإثارة لخيالاتهم وغرائزهم، ولا زالت شركات الاتصالات تعطي المجال لمن هب ودب لوضع أرقام هواتف للاتصال بها دون ضابط أو رابط، فعشرات القنوات الفضائية أصبحت تملأ السماء وتتسابق على استنزاف جيوب المشاهدين وخاصة (المراهقين) منهم، ومنها قنوات مخصصة للزواج توجه للمشاهدين حتى لو كانوا من كبار السن، ليظل البعض متسمرا أمام الشاشة (عندما يرى مواصفات فتاة في مقتبل العمر، تصف نفسها بأجمل الأوصاف، غنية ولديها منزل، تعرض نفسها للزواج من أي شخص المهم أن يكون قوي البنية ويحترم المرأة حتى ولو عن طريق المسيار، وينخدع للأسف الكثير من البسطاء، والعوام، ظانين أن ما يمر من أسماء نسائية تطلب زواج المسيار أسماء حقيقية، فيتسابقون إلى إرسال رسائل نصية إلى القناة (مثنى وثلاث ورباع) وهم لا يعلمون ان الأسماء وهمية وغير موجودة إطلاقا، وإنما لتدفع المشاهدين من البسطاء لإرسال الرسائل إلى القناة للاستفسار عن ذات الحسن والجمال!! وهناك قنوات فضائية أخرى تستغل المرأة أسوأ استغلال، فتعرض العشرات منهن، وبطريقة مبتذلة ورخيصة، لا تحترم إنسانيتهن، لتدفع بآلاف المراهقين للاتصال على القناة بطلب أغان محددة لتتراقص عليها تلك الأجساد المنهكة والمخدوعة والمهانة التي تبحث عن لقمة العيش حتى ولو بالحرام.
إن على هيئة الاتصالات وتقنية المعلومات الدور الأكبر، لوضع الضوابط التي تلتزم بها جميع شركات الاتصالات لمنع من هب ودب ليستنزفوا أموال مستخدمي الخدمة الهاتفية دون أي وجه حق. خاصة وأن الكثير من القنوات الفضائية تعتمد في مواردها على ما يرد من رسائل الغالبية منها تصدر من المملكة، فلمنع الاتصال بها كما هو الحال مع خطوط الصداقة الدولية حتى تختفي عنا غربان السماء وتجار الجسد..