رحم الله أبا هشام معالي الأخ د. صالح بن عبدالله المالك الذي أعرفه قبل تعيينه في مجلس الشورى وزادت العلاقة والمعرفة بعد تعيينه عضواً في مجلس الشورى في دورته الأولى عام 1414هـ واستمر عضواً حتى العام 1426هـ في ثلاث دورات متتالية فلقد كان رحمه الله

يتمتع بأريحية عالية وقدرة على الدخول إلى قلوب الآخرين بما يملكه من محبة للناس وقدرة على محاورتهم والحديث إليهم بأسلوب راقٍ ممزوج بما أنعم الله به عليه من خلق رفيع وعلم غزير فلقد كان يرحمه الله موسوعة متنقلة ما إن تسأله عن أمر ما إلا وأجابك وقلما يطلب أن تمهله للبحث عن الإجابة يتمتع بسرعة الحفظ فلقد ذكر لي أنه حفظ القرآن الكريم وهو ابن الثامنة عشر يتقن فنون النقد وآدابها ويطرب للحديث فيها وعندما عرضت إحدى القنوات الفضائية عليه أن يستضاف في أحد برامجها كان سؤاله لي هل سيكون مقدم البرنامج حديثه باللغة العربية الفصحى أو باللغة العامية الدارجة قلت له هذا يعود للقناة قال: أكره أن أكون في برنامج تلفزيوني لا يحترم اللغة التي أحبها وذكر أنه انسحب من أحد البرامج لأن مقدمها تحدث بلغة عامية.

سعدت برفقته في بعض الزيارات الأولى إلى إيطاليا والثانية إلى جمهورية قرقيزستان والثالثة إلى إيران وكان في كل زيارة يحضر معه كراتين من التمر الفاخر لإهدائها لمن يقابله من الزوار والشخصيات الأخرى بالرغم من علمه بأننا نحمل هدايا في مثل هذه الزيارات يحرص على الاهتمام بالوقت وحضور اللقاءات الرسمية ويستعد جيداً لكل اجتماع وكثيراً ما يكون هو المبادر إلى طرح الأسئلة والاستفسارات سواء على زملائه أعضاء الوفد أو محاوريه من الجانب الآخر وغالباً ما يخرج كل من يقابله بانطباع حسن عنه.

وفي عام 1426هـ تم تعيينه أميناً عاماً للمجلس وقد كان مهتماً بشكل كبير بتطوير جهاز الأمانة وهو الجهاز الذي يعتبر العمود الفقري لأعمال المجلس لأن 90% من إدارات المجلس مرتبطة بالأمين العام فأول عمل قام به توزيع وتفويض صلاحياته للمديرين العاميين وتفرغه لأعمال المجلس الفنية وجلساته حتى كان يحرص كل الحرص على مراجعة محاضر الجلسات بنفسه ويدققها من الناحية اللغوية والصياغية ويهتم باستكمال عناصر كل موضوع سيتم تقديمه إلى المجلس ويسأل عن كل صغيرة وكبيرة وكان كثير الاتصال بي وبالزملاء هاتفياً للسؤال عن أي أمر يرى أنه يهم المجلس خصوصاً ما له علاقة بطبيعة العمل ومهتم جداً بإعطاء أعضاء المجلس الحاليين والسابقين ممن خرجوا في دوراته السابقة وضعاً يليق مع عدم الانتقاص من حقوقهم.

كان يرحمه الله يهتم بحقوق الموظفين ويسعى إلى إنصافهم وإذا ما تقدم له أحد منهم يطلب إنصافه وأذكر أن بعض الزملاء اشتكوا إليه من عدم شمول أسمائهم محضر الترقيات وأن حقهم أسقط في الترقية فما كان منه إلا أن تدخل بشكل عاجل وطلب تشكيل لجنة برئاسته للنظر في موضوعهم الذي أنهاه في مدة وجيزة وعندما علم يرحمه الله بإصابته بمرض السرطان كان يرأس لجنة للترقيات وقبيل ذهابه للعلاج طلب من مدير مكتبه إنهاء محاضر المرقين حتى يتسنى له توقيعها قبل مغادرته للعلاج وبالفعل جاء إلى المجلس ذات يوم لهذا الغرض وأنهى محضر الترقيات وغادر لمتابعة حالته في الولايات المتحدة الأمريكية.

وبالرغم من خطورة المرض الذي أصيب به إلا أنه عندما أتصل به للاطمئنان على صحته يبادرني بالسؤال عن الصغير والكبير وعن أبناء العمومة ممن يرتبط معهم بصداقات وقد كان يرحمه الله على درجة عالية من الإيمان بالله ومعنوياته مرتفعة وقد كان آخر اتصال معه وهو في المستشفى التخصصي عندما بادرته بالسؤال عن صحته قال لي: سيشفيني الله وسأعود للعمل لكم فلا تنسوني من الدعاء، كان صوته بنبرته المعهودة منذ عرفته فلم يضعف عزيمته المرض وثقته بربه.. رحم الله معالي د. صالح بن عبدالله المالك الأديب والمثقف والإنسان والشاعر.

{إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}