كنت قد قلت في مقالة سابقة وأنا أتحدث عن مسلسل (سعدون العواجي) الذي تبثه خلال شهر رمضان محطة أبو ظبي التلفزيونية وما سيثيره المسلسل من الحزازات (المميتة) -لا سمح الله- بين أفراد أسرة كريمة تتسنم مشيخة أحد فروع الجذع الثاني من قبيلة عنزة والذي أنتمي إليه شخصيا ألا وهو (ضنا عبيد) وأعني بذلك أسرة العواجي الكريمة وما كشفه المسلسل من ثارات في حلقاته الأولى بين أجداد أفراد قبيلة (ولد سليمان) بل وبين أسرة العواجي نفسها، أقول كنت قد قلت بل حذرت مما يثيره المسلسل من تساؤلات ونعرات لدى أبناء هذا الجيل من أحفاد أبطال المسلسل الذين ذكرهم بالاسم الصريح وبعد أن نسوا الماضي وأصبحوا الآن بحمد الله أسرة واحدة يفتخرون بشجاعة هذه الأسرة بين القبائل وما تركته من شعر رائع وفروسية نادرة في زمان احتراب القبائل، إلا أن المسلسل من جهة أخرى قد يثير لا سمح الله (حساسيات) لدى من لا يملك الوعي التاريخي وينظر إلى التاريخ باعتباره ضربا من الماضي الذي تستخلص منه العظة وينبذ زمن الغزو والسلب ويركز على القيم النبيلة والجميلة التي تركها الآباء وشجب سلبيات البداوة كنمط متخلف -لا كطريقة معيشة- تعتمد على (قيمة الغزو) كمعيار للرجولة في ذلك الزمن الأغبر(!!) أما من لا يملك هذا المعيار وطبيعة التجمعات البدوية قبل الوحدة المباركة التي أرساها المؤسس العظيم عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل طيب الله ثراه والذي أغمد سيوف القبائل ومنع الغزو والثارات ووحد القبائل تحت راية وطن واحد هو المملكة العربية السعودية أقول إن مثل هذا المسلسل لمن لا يملك هذا الوعي الثقافي والوعي الوطني فإنه كما قلنا يثير من جهة أخرى تساؤلات ونقاشات وجالات تاريخية عقيمة لا تؤدي إلا إلى نقل التنافر بين أبناء هذا الجيل وأعني تحديدا الشباب الطائش والصبية الجهلة من أبناء القبائل التي كان لها تماس (نزاعي) مع قبيلة عنزة كقبيلة شمر العزيزة وقبيلة (حرب) الكريمة وذلك لأننا كلنا نعرف أن غزوات العواجي وأبنائه (عقاب وحجاب) كانت تحدث مع هاتين القبيلتين الكريمتين اللتين تبادلانهم الغزو، ومع أن المشاهد المنصف والقارئ الملم بتاريخ القبائل يدرك جيدا أن الغزوات بين هذه القبائل هي (يوم لك ويوم عليك) وكما كان شعراء وفرسان هذه القبائل يشيدون ببطولة خصومهم قبل إشادتهم ببطولة فرسانهم وأن تلك الحروب (البغيضة) بالنسبة لنا الآن هي بمثابة (سلوم) بينهم يفتخرون بها(!!) فها هو شاعر شمر (مبيريك البَيناوي) يمتدح خصم قبيلته عقاب العواجي بقوله: |
(هذي سلوم بيننا يالقراباه |
يا زين بيع المنسمح يا ابن وايل |
وعقاب ما أسبه ولا اسب حلياه |
ان جو على قبّ المهار الأصايل |
يركض على الصابور ما به مراواه |
شي تعرفه كل سمو القبايل) |
م يمتدح هذا الشاعر الشهم أبطال قبيلته شمر بقوله: |
(لا شك عندي له فهودٍ فغداه |
عيال شمر فوق قبّ سلايل) |
وها هو فارس وزعيم من قبيلة حرب ألا وهو ابن فرهود يتوعد أبناء العواجي بقوله النبيل: |
(أما جدعنا عقاب (ليث الغلامين) |
وإلا جدعنا حجاب (ريف الهزالي)) |
وكذلك يعود البَيناوي الشمري بعد مقتل عقاب وحجاب على يد الفارس الشمري الشهير هايس القعيط ليقول بروح الخصم النبيل أيضا: |
(إن كان (هيفاء) تزعج العام الأصوات |
(نوتٍ) يروع اليوم جضَّه قطينة |
هذي سلوم بيننا يالقرابات |
يا حلو ردات الجزاء قبل حينه) |
وحينما قتل حجاب وعقاب هاهو والدهم سعدون يرثيهم ويمتدح قاتليهم(!!) من قبيلة شمر العزيزة وذلك بقوله: |
(حالوا عليه اللي على الموت حسرين |
لا وا بعيني ما يجاجون ذبّاح) |
إذن هكذا هي الغزوات القبيلة في ذلك الزمن (الأغبر) يوم لك ويوم عليك، ولا غالب فيها إلا الموت والشر وإزهاق الأرواح، ولا خاسر فيها سوى هذه الأرض المباركة التي فقدت بتلك الحروب العمياء خيرة الرجال. أي أنني أريد القول أخيرا إن الرجال في ذلك الزمن كانوا يحترمون بعضهم رغم العداوات مما يجعلنا اليوم نحترم تلك الصفة النبيلة كقيمة أخلاقية تستمد من (أخلاق الفرسان) والآن في ظل وحدتنا المباركة فإن علينا -إذا ما استمر المسلسل- إلا أن نعتبر من تلك الأحداث ونتعظ منها لا أكثر ولا أقل. |
|