تأتي وزارة النقل في مقدمة الوزارات التي قامت بتنفيذ ما خصص لها من فائض الميزانية للسنوات الماضية، من خلال عشرات المشروعات في مختلف المناطق والمحافظات، وهذا جهد يسجل للوزارة، إلا أنه يبدو أن كثرة المشروعات جاءت على حساب جودة التنفيذ، وخاصة في مجال صيانة الطرق، فالحال المتردي في تنفيذ مشروعات الصيانة للطرق لازال مستمرا ولا يمكن إخفاؤه. فأي شخص يسير قادما إلى الرياض عبر أي من الطرق السريعة التي تتم صيانتها لابد أن يشعر بذلك، فالأمر لا يحتاج إلى السيارة التي تستخدمها وزارة النقل لقياس الارتجاج على الطريق، فيكفي أن تضع كأسا من الشاي على (طبلون) السيارة لتلاحظ كيف يسقط بعد لحظات جراء الارتفاعات والانخفاضات، لتشعر للحظات وكأنك تسير في طريق (ترابي) وليس طريقا معبدا، مما قد يصيب المسافرين لمسافات طويلة بالغثيان أو حتى يمكن أن يتسبب في إسقاط جنين الحامل!!
إن عمليات الصيانة كلفت وزارة النقل الملايين، ورغم ذلك لم يتحسن حال الطرق؛ لأن الطريق بعد الصيانة الجديدة أصبح أسوأ من الطريق القديم!! وقد سبق أن أشرت في مقالة سابقة إلى حال الطريق الواصل بين سدير والرياض على سبيل المثال عند البدء في عمليات الصيانة إلا أنه لم يطرأ جيدا على الأسلوب القائم في التنفيذ!! أتمنى من معالي وزير النقل أو أي من المسؤولين في الوزارة أن يذهب ليسير في هذا الطريق، ليرى أنني لا أبالغ إذا قلت: إنه لمجرد أن تنتهي الوصلة التي تمت صيانتها من الطريق تشعر بالفرق فتقل الارتجاجات لمجرد دخول الطريق القديم الذي ينتظر الصيانة!! فما أن فرح مستخدمو هذا الطريق بهذه الصيانة، حتى طارت هذه الفرحة، ليجدوا أنفسهم أمام حالة سيئة من التنفيذ، حالة من (السلق السريع) في التنفيذ، خاصة إذا ما علمنا أن أغلب الشركات تتبع هذا الأسلوب لأنها تعلم أن غرامة الوزارة لا تشكل إلا نسبة ضئيلة لا تذكر، ولأن الوزارة لم تلزم أيا من المقاولين يوما بإعادة الصيانة مرة أخرى، أو توقفه أثناء العمل لتعديل الملاحظات.
ومما يدعم ما ذهبت إليه أن الجزء الذي تم الانتهاء من صيانته قبل شهرين في الطريق السريع الواصل بين سدير والرياض بدأ يتشقق، لأن الجزء الذي ينتهي من (الكشط والزفلتة) يتم افتتاحه للسير مباشرة، مما يعطي الفرصة للشركات من الاستمرار في التنفيذ بحجة عدم إعاقة الطريق. ولا أدري لماذا لا تستلم الوزارة وصلات الطريق على دفعات، دون الانتظار إلى الانتهاء من صيانة ناقصة؟!
إن أصوات المواطنين الذين يتصلون لإبداء الملاحظات على هذا الطريق، من خلال الهاتف الذي خصصته وزارة النقل أو من خلال الموقع الإلكتروني للوزارة لازال صوتا بلا صدى!!
لا أدري لماذا لا تقوم وزارة النقل بمتابعة مراحل التنفيذ وإيقاف المقاول عند وجود أي من الملاحظات لتعديل أسلوب التنفيذ لا الانتظار إلى أن ينتهي المشروع؟
إذا كان الحال هكذا مع طريق يتم تنفيذه على مقربة 90 كيلو متر من مكاتب مهندسي وزارة النقل، فماذا سيكون الحال في عشرات الطرق التي تتم صيانتها والتي تبعد عن موقع المهندسين أو فروع وزارة النقل آلاف الكيلومترات؟!!
إن وزارة النقل مطالبة سريعا بالمحافظة على المال العام والاستفادة مما خصص لها في فائض الميزانية، فقد بدأ واضحا سوء التنفيذ وتحمل خزينة الدولة تبعات ذلك بإنجاز مشروعات صيانة (أي كلام). وهذا مما يدعو وزارة النقل إلى إعادة النظر في طريقة إشرافها على تنفيذ الطرق، فالغرامات لا تكفي بل بإلزام المقاول بإعادة تنفيذ الطريق الذي لا ينفذ بالطرق الهندسية المطلوبة حتى لا تتكرر المشكلة في مشروعات أخرى.. إنني أناشد معالي وزير النقل الذي أعرف حرصه، وإنجازاته الرائعة منذ أن تولى الوزارة التدخل، وأنا أعلم أنه لن يتمكن من السير في مئات الطرق التي يتم صيانتها لأن هذا من اختصاص مهندسي الوزارة الطريق، ولو سار فيه لما رضي عن طريقة التنفيذ!!
إننا نأمل من معاليه محاسبة المقصرين أو المسؤولين عن الاستلام التنفيذ، والتوجيه بعدم استلام المشروعات التي يظهر بها عيوب هندسية، وتعديل لائحة الغرامات التي يمكن أن تطبق على المقاولين بالتنسيق مع وزارة المالية. إننا نريد من وزارة النقل أن تكون أكثر قربا من المواطنين لتلقي ملاحظاتهم وآراءهم على مشاريعها التي عمت والحمد لله أغلب مدن المملكة، والتي من المفترض أن تنفذ بالطريقة المناسبة، وخاصة مشروعات الصيانة السريعة.
مشكلة وزارة النقل أنها لا تتابع مراحل التنفيذ لمشروعاتها، مما يظهر الكثير من العيوب بعد الانتهاء من التنفيذ؟ ولا يوجد إجراءات حاسمة من الوزارة تجاه المقاولين المقصرين. أكثر من 15 عاما على تنفيذ طريق الرياض - سدير - القصيم حصل فيها العديد من التشققات وهضم المسرب الخاص بالناقلات الكبيرة نتيجة لتجاوز الحمولة قبل أن تنشأ محطات الوزن، رغم أن طريق الرياض - سدير القديم الذي نفذ قبل أكثر من أربعين عاما لا زال صامدا لا يحتاج إلى صيانة بسبب الدقة والكفاءة في التنفيذ، ولأنه لم ينفذ بأسلوب المشروعات الحالية التي قصرت عمر الطريق إلى خمس سنوات إن لم يكن أقل، فطريق سدير - الرياض السريع ينتقل إلى درجات أكبر من السوء بعد إعادة سفلتته بشكل رديء لا يتفق مع أبسط القواعد الهندسية. ومن يقول إنني أبالغ فليسير في هذا الطريق فالأمر لا يحتاج إلى السيارة الخاصة باكتشاف الارتجاجات والارتفاعات والانخفاضات التي يستخدمها مهندسو وزارة النقل في الكشف على سلامة الطريق، إنك ستشعر بذلك لمجرد سيرك في هذا الطريق، الذي نساه مهندسو الوزارة ولم يقفوا على مراحل التنفيذ فهل يذكره المسؤولون في الوزارة قبل أن تصرف ملايين الريالات دون فائدة.