حتى وإن طال الزمن فالتاريخ لا بد أن يبوح بأسراره، إلا أن الأسرار والأحداث التي شهدها العراق لم ينتظر التاريخ طويلاً لكشف أسرارها، ومنها التي أخذت ملفات المخابرات العراقية في عهد الاحتلال تكشف عنها، وهي أسرار خطيرة، وخطيرة جداً، تُظهر أن العراق مُخترَق ومحتل ليس من قِبل الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا فحسب، بل إن الجارة إيران أصبح لها دور لا يمكن إخفاؤه؛ فالسفارة الإيرانية أصبحت بمثابة مكتب المندوب السامي البريطاني في العشرينيات من القرن الماضي؛ حيث كان السيركوكس يُسيّر الأحزاب والعشائر ويحكم العراق من خلال مكتبه، واليوم، وحسب الوثائق التي أخذ يسربها ضباط المخابرات العراقية، فإن السفارة الإيرانية وضباط المخابرات الإيرانيين وعناصر فيلق القدس هم الذين يتحكمون في تسيير الأوضاع في العراق؛ فكبار ضباط فيلق القدس هم الذين يقودون عناصر المليشيات الطائفية، بل إن الوثائق تكشف عن تنسيق بين هؤلاء الضباط وتنظيم القاعدة بأسلوب (مقاولات الباطن)، حيث يقوم تنظيم القاعدة في العراق بتنفيذ العمليات الإرهابية التي تصب نتائجها لصالح إيران. وقد استغرب الأمريكيون وجود أسلحة ومتفجرات من صنع إيران يستعملها تنظيم القاعدة، إلا أن وثائق المخابرات العراقية أزالت الغموض والدهشة حيث كشفت عن العديد من العمليات المشتركة بين القاعدة والمليشيات الطائفية التي يديرها ويشرف عليها ضباط وقادة فيلق القدس.
ولعل أخطر ما كشفت عنه وثائق المخابرات العراقية التابعة لحكومة نوري المالكي تعاون تنظيم القاعدة ومخابرات دولة إقليمية رئيسة تدس أنفها في الشأن العراقي، والمقصود هنا (إيران)، في تنفيذ أخطر عملية إرهابية استهدفت إرهاب وتخويف السفراء العرب ومنع الدول العربية من إرسال سفراء إلى بغداد حتى تخلو الساحة للسفير الإيراني ليمارس دور المندوب السامي، فنظمت المخابرات الإيرانية من خلال تعاونها مع الجماعات الإرهابية عملية خطف وقتل السفير المصري إيهاب الشريف الذي حاول أن يترجم الثقل السياسي والدبلوماسي لجمهورية مصر العربية في العراق، ولأن السفير المصري استطاع اختراق الطوق المفروض عليه لإقصائه عن التأثير في السياسة فقد أوعز للعناصر الإرهابية بخطفه وقتله.
هذا الكشف جاء عن طريق ضابط كبير في المخابرات العراقية الحالية، ولأنه لم يوضح أحد أو ينفي هذه الحادثة فإن الموضوع خطير ويُظهر كم هي أهمية الإسراع في إرسال سفراء عرب إلى بغداد.
jaser@al-jazirah.com.sa