قضية الاختيار بين جون ماكين الجمهوري أو باراك أوباما الديمقراطي لازالت حتى الآن من الخيارات المحيرة لأغلبية الناخبين الأمريكيين تحديداً من العرق الأبيض. أما العرقان الإفريقي واللاتيني ومن معهما من عرقيات الأقليات الآسيوية، فستذهب في الأغلب إلى المرشح الديمقراطي أوباما سواء كانت تلك العرقيات تنتمي للحزب الديمقراطي أم الحزب الجمهوري. مع هذا الغموض والالتباس السياسي تبقى محصلة النتيجة النهائية غير واضحة حتى الآن وبعيدة كل البعد عن قدرة أي محلل سياسي التكهن بمعرفة من من المرشحين سيصل إلى البيت الأبيض.
البعض كما أشرنا في المقال السابق إعتقد أن مؤشرات الحسم قد تظهر مع وقائع مؤتمر الحزبين، ومع اختيار كل مرشح لنائب الرئيس، أو حتى مع تطور لغة أي من المرشحين بما يليق بمتطلبات المرحلة السياسية الراهنة أو القادمة، وأخيراً في حال حدوث بعض المتغيرات أو المستحدثات التي قد تدفع بهذا المرشح أو ذاك إلى صدر القائمة. لكن حتى بعد أكثر من عدة أسابيع على انتهاء المؤتمرين للحزبين لم يتفعل أو يتمحور أي نصر أو سبق أو تقدم سياسي ملموس لأي من المرشحين حتى الآن.
حالياً يبدو أن الأوضاع السياسية للانتخابات الأمريكية دخلت في وضع محير ومربك أكثر خصوصاً للجمهوريين بعد أزمة العقار التي تلتها الأزمة المالية الحادة في الاقتصاد الأمريكي والتدهور الكبير في قيمة العملة الأمريكية، مما يعني أن قضية الحسم بين المرشحين بفارق كبير قد تخرج من حالتها الضبابية بعد أن تنتهي حالة التردد لنسبة كبيرة من الناخبين بالضربة الاقتصادية القاضية. الحال هذه قد تتضح معالمها بعد أن يتم استعراض نقاط القوة والضعف لكل من المرشحين ماكين وأوباما.
لنبدأ أولاً بباراك أوباما المرشح الديمقراطي الذي أعلن عن شعاره وهدفه ببدء حقبة (التغيير) و(الأمل) وكأنه يتحدث هنا مقلداً مصطلح العهد الجديد للرئيس السابق ودرو ويلسن في بداية القرن العشرين الماضي. صحيح أن ما يبشر به أوباما جيد جداً قد يستقطب عقول الكثير من الناخبين الأمريكيين لا سيما وأنه ينطلق من الموروثات الحضارية الأمريكية (الحرية والمساواة ومجتمع الفرص للجميع). لكن السؤال المطروح هنا هو: هل يملك أوباما المقومات الشخصية الكاريزمية المبهرة لتحقيق هذا التغيير الذي قد تعارضه جماعات المصالح والضغط خصوصاً المؤسسات المالية والاقتصادية والتجارية؟ ثم نسأل ثانياً، هل التغيير الأوبامي مجرد حلم لصاحبه أم تجربة فئوية لأصل إفريقي يحاول دغدغة مشاعر الأمريكيين من أصول إفريقية تحديداً، فيما لن تجد الأغلبية الأمريكية فيها حلولاً حقيقة لمشكلاتهم وأزماتهم؟
الحق يقال أن أوباما يحاول جاهداً أن يثبت للعموم الأمريكي أنه المرشح الأقدر على تحقيق التغيير المنشود سواء من خلال عرضه لخطط خفض الضرائب وتوفير فرص عمل أكثر للطبقات الوسطى والعمال، وتأمين طاقة بديلة لنفط الشرق الأوسط، وتعهد بدبلوماسية حازمة ضد أعداء أمريكا. بيد أن خبرة أوباما السياسية على المستويين الداخلي والخارجي قد لا تؤهله لتحقيق تلك الأهداف. هذه تهمة لازالت عالقة بشخصه سمعها الناخب الأمريكي من الديمقراطية هيلاري كلينتون قبل أن تخسر الترشيح ومن ثم تؤيده لاحقاً. الذي يحتاجه أوباما في المرحلة القادمة أن يدرك أن الناخب الأمريكي لا تهمه التغيرات الإستراتيجية بعيدة المدى على المستويين الداخلي أو الخارجي، بقدر ما يهمه كيف يمكن أن يثق بأن أوباما هو المرشح الأقدر على إدارة الأزمات الداخلية الاقتصادية، بداية من الوقود ونهاية بطمأنة المواطنين حيال المخاوف الاقتصادية والأمنية.
في المقابل فإن المرشح الجمهوري جون ماكين ركز على شعار الأمة أولاً قبل أي عرق أو دين أو لون، ومن ثم ركز بدوره على شعار التغيير، لكن عكس منافسه يملك الخبرة السياسية والاقتصادية الحقيقية التي تؤهله لتحقيق ذلك مؤكداً أنه لا يسعى إلى تغليب أحلامه الشخصية وجعلها تطغى على مصلحة الدولة أو الأمة الأمريكية، كما أن ماكين كان من الذكاء بحيث فصل نفسه عن جورج بوش كلية، بل وأيضاً عن الجمهوريين إدراكاً منه بأنهم يمرون بأسوأ فترة من فترات تجاربهم السياسية والشعبية. أخيراً ترشيح ماكين لامرأة كنائبة للرئيس قد يستقطب أغلبية الأصوات النسائية، وهذا بالطبع أيضاً سلاح ذو حدين.
أخيراً ركز ماكين على شخصيته وخبراته وقدراته أكثر من تركيزه على أيديولوجية الحزب وبرامجه وتعهداته. الأمة الأمريكية في حملة ماكين تأتي قبل الحزب الجمهوري وقبل أحلامه وأحلام غيره، أثبت هذا في حضوره الشخصي في أزمة كاترينا. مع هذا ورغماً عنه يبقى جون ماكين محسوباً على الحزب الجمهوري وعلى سياسات الحزب الجمهوري، والخوف من أربع سنوات أخرى إضافية على نمط وطريقة حكم الرئيس الحالي جورج بوش.
drwahid@email.com