كتبتُ منذ سنوات مقالاً أحثُّ فيه على فعل الصدقات ودفُعها لمنْ هو أهل لها، سواء في هذا الشهر الكريم أو في سواه من الشهور، ودعوتُ بوجه خاص إلى تكريس الاهتمام ب(فقراء الداخل) من أهل هذه الأرض الطيبة، فهم أولى بالبر من سواهم، ولستُ بهذه الدعوة أُنكِرُ على مَنْ تجاوز حُدودَ البلاد ببِّره، ولكنني مُوقنٌ بأن الأولوية يجب أن تكونَ لفقراء بلادنا، خاصةً أولئك الذين لا يسألون الناس إلحافاً وغيرهم مِمنْ يحسبُهم الناسَ أغنياء من التعفُّف، فلأولئك وهؤلاء حقٌ من البر تُقال به عثرة السائلِ منهم والمحروم، وكلُّ ذلك جزاؤه عند الله عظيم.
***
* اليوم، أُعيد النداء لفاعلي البرِّ ومحبيه لمنح فقراء بلادنا أولويات البذْل زكاةً أو صدقةً أو هبة في سبيل الله، مُنطلقاً من الاعتبارات التالية:
* أولاً : أن هناك شرائح كبيرةً في مجتمعنا السعودي تُعاني من أعراض العَوْز والفقر، مسْكنا وملبساً وعلاجاً وإعاشة، فهي أولى من غيرها ببر أهل البرّ، إنفاقاً وبذلاً.
***
* ثانياً : إذا كنا قد اعترفنا رسمياً وشعبياً، وبأكثر من وسيلة، أن (الفقر) في بلادنا بات قضيةً إنسانية ملحة لا يمكن تجاهلها ولا التساهُل في التعامل معها، فإنه لابد تَبعا لذلك من التَّصدى لها بكل السُّبل، مذكِّراً في الوقت نفسه بأن الدولة أيدها الله ليست المسؤولة وحدها عن مكافحة الفقر، لكن للمواطن القادر على البذل، زكاةً أو صدقة أو تبرعاً، دوراً مهماً وملحاً في هذا السبيل.
***
* ثالثاً : علمتنا التجربة، في أكثر من مناسبة وأكثر من مكان أن (طفيليات) الإرهاب حيثما كانت قد تتغذى أحياناً من (جداول البر) حين ينْحرفُ مسارها عبر دهاليز النفوس المريضة أو الموتورة لتصبَّ في جيوب وبطون من لا يستحقون جُوداً ولا عطفاً ولا بِراً، بل قد يستثمرونها في (تمويل) آلة الإرهاب وآلياته، لنصْلى نحن بعد ذلك وأجزاءُ أخرى من العالم ناراً من الإرهاب تلظَّى.. ثم نكتشفُ بعد حين أن للبر بابين: ظاهرُ أحدهما الرحمةُ، وباطنُه العذابُ!
* ولذا لابد من الاحتراز والتحوط الشديدين بأن لا نُنْفق هللة واحدة إلا في سبيلها المشروع، لتصِلَ إلى مستحقها دون غيره من الأنام!
***
* رابعاً: السيولة النقدية عنصر ناضب، ولذا أتمنى أن يُقْرِن أهلُ البر مساعدتهم النقدية.. بإقامة مشروعات عينية وجعلها وقْفاً لمصلحة الفقراء، مثل المجمعات السكنية وحفر الآبار، ومكافحة وعلاج الإعاقة، وتقديم الآليات والبذور الزراعية، ودعم جهود التدريب والتأهيل للأعمال الفنية والمهنية التي يمكن أن تُطعم أصحابها خبزاً حلالاً.. ومثل هذه المشروعات الوقفية تضمن للمستفيدين منها من فقرائنا ديمُومة الإيراد، وتحفظُ لهم ماء الوجه، وتُنمِّ الثقة في النفس والوطن!
***
* وبعد..
إذا كنّا حكومةً وشعباً، نقرّ بأن في بيتنا (غُولا) اسمه الفقر، تعاني أعراضَه شريحةٌ غاليةٌ من أهلها في الشمال والجنوب والشرق والغرب، فإن أريحية أهل البرّ في بلادنا مدعوة وبقوة لمضاعفة مشاركتها في اقتلاع هذا الغول الخبيث من بيتنا، فأهلنا أوْلى بخيرنا ثم أوْلى!!
***
* بطاقة عيد
غداً أو بعد غد بمشيئة الله، يهلُّ علينا عيدُ الفطر المبارك، أعاده الله على بلادنا خاصة، وعلى بلاد المسلمين عامة بالخير واليُمنِ والسلام، وكم أتمنَّى اليوم، وكل يوم أن نستقبل هذا العيدَ كلما حلّ بشفافية خاصة تعيدُ له خُصوصيته القيّمةَ التي تتوحَّد من خلالها القلوبُ حباً وبِراً وتسامحاً، وتُكبَّل فيه شياطين العداوة والبغضاء والمحن؟!
نعم.. متى نستوعبُ هذه المعاني الكريمةَ لنخْتصِر المسافات التي تفرِّقُ بين القلوب لنعيشَ جميعاً في ظلّ رحمة الله إخوانا؟!