عادت (كلار هو) من رحلة عمل قصيرة في هونغ كونغ، فتحت حقيبتها فوجدت أنها أنفقت - من دون قصد - نصف راتبها الشهري وهي تتجول بين المحلات التجارية هناك.
قالت (هو) وهي عاملة في مجال الإعلام بشانغهاي: (هناك أنواع عديدة من البضائع، وهي رخيصة الثمن) اشترت زميلاتها أكثر منها وتراوحت المشتروات بين الكاميرات 2000 - يوان - إلى علبة من شاي الحليب.
أصبح التسوق السياحي من البر الصيني في هونغ كونغ عادة تقليدية، بيد أن هذا السلوك ازداد تكراراً مع ارتفاع قيمة اليوان مما زاد في قوته الشرائية، العملة الصينية - رينميبي أو يوان - ارتفعت 20% مقابل الدولار الأمريكي منذ أن صار لا يرتبط بالدولار بالعام 2005، أما الدولار الهونغ كونغي الذي ما زال مرتبطاً بالدولار الأمريكي فقد انخفض من 1.06 إلى 0.88 مقابل اليوان.
قوة شرائية متزايدة
قال غراس بان رئيس مركز بحوث السفريات والتسلية في نيلسن: (إن سوق السياحة إلى الخارج آخذ في التوسع وذلك مع النمو السريع للاقتصاد الصيني).
السياح الصينيون ينفقون ما معدله 3507 - 2597 دولارات أمريكية في الرحلات الخارجية مع تباين النفقات حسب المناطق - حسب تقرير لهيئة نيلسن الصين لمراقبة السفريات الخارجية، ليس فقط أن مواطني البر الصيني الذين يسافرون إلى الخارج يستفيدون من ارتفاع قيمة اليوان، فهم يشعرون بالتغيرات الحادثة في السوق المحلية، أسعار السيارات المستوردة التي كانت مرتفعة لسنوات انخفضت ببطء في الأشهر الخمسة الأولى من هذا العام، ووفقا لمعلومات المراقبة للجنة الدولة للتنمية والإصلاح بشأن أسعار المنتجات الاستهلاكية في 30 مدينة كبيرة ومتوسطة في عموم الصين، انخفضت أسعار السيارات المستوردة 1.95% في مارس بالمقارنة مع الشهر الأسبق.
استوردت الصين 171 ألف سيارة في الأشهر الخمسة الأولى بزيادة 59% قياسا إلى ذات الفترة من العام الماضي في 2007 شهد حجم السيارات المستوردة زيادة سنوية بنسبة 37.9% وجزء من السبب هو أن شركات السيارات الدولية العملاقة بذلت جهوداً حثيثة لتعويض انخفاض المبيعات في سوق أمريكا الشمالية، ويعتقد بأن المستهلكين الصينيين مع قوة العملة يومياً قد أصبحوا أكثر انفتاحاً لشراء السيارات المستوردة.
وشهد سوق الوجبات المستوردة وغيرها من الأطعمة ارتفاعاً بمعدل 15% سنوياً في الأعوام الخمسة السابقة - حسب تقرير لموقع صناعي تحت رعاية الجمعية الوطنية الصينية لصناعة الأغذية.
آلام الصادرات
تضرر المصدرون على النقيض من المستهلكين من ارتفاع قيمة العملة إذ سحبت أرباحهم إلى نقطة أزمة.
قال شن ياو تشينغ نائب رئيس شركة شانغتكس القابضة: في فترة نصف عام فقط ارتفعت تكاليف صادراتنا بنسبة 10% وانخفضت أرباحنا بمعدل 40% هذه الشركة الواقعة بشانغهاي تصنع منسوجات تصل صادراتها إلى نحو 2 مليار دولار أمريكي قيمة منتجات سنويا.
وأضاف: شركتنا على حافة هاوية الفشل.
مشكلة شانغتكس تعكس الوضع الحرج الذي تعانيه تجارة المعالجة الموجهة للتصدير ويعمل فيها نحو 40 مليون شخص.
تعتبر الصادرات واحدة من ثلاثة محركات للنمو الاقتصادي مع الاستهلاك والاستثمار ولكن المحرك يتباطأ مع انخفاض الطلبات الخارجية، وانخفض فائض التجارة الصينية الشهري إلى 20.2 مليار دولار أمريكي في شهر مايو بانخفاض 10% عن نفس الشهر للعام السابق حسب الهيئة العامة للجمارك.
تغيرات خلف المشاهد
التذبذبات التي يشهدها الارتفاع المتسارع لقيمة اليوان عميقة ومعقدة، هذا التغير ليس بسيطا كحافز في القوة الشرائية أو الفائض التجاري المضغوط، وراءه يكمن تحول في الاستراتيجية الاقتصادية الشاملة للبلاد يدفعه الاعتراف بأن هيكل الصادرات الراهن لن يدعم التنمية الاقتصادية بالطريقة التي استخدمها.
قال البروفيسور بان ينغ لي بمدرسة الإدارة لجامعة جياو تونغ الشانغهائية: بقيت العملة الصينية في حالة أقل من قيمتها منذ الأزمة المالية الآسيوية عام 1997 وإن الحكومة استخدمت ذلك بشكل فعال لتحويل قطاع الواردات والصادرات على حساب صناعاتها غير التجارية، ثم تحقق هامشا من الأرباح كبير بين تكاليف الأرباح المنخفضة المدفوعة باليوان منخفض القيمة، والإيرادات العالية التي حصدتها مبيعات هذه المنتجات إلى الزبائن الدوليين.
هذا الأمر جلب ازدهارا للبلاد لكنه كان عالي التكاليف مع ارتفاع التلوث واستهلاك الطاقة، الصناعة الكثيفة العمل المفرط كثيراً بالفعالية المخفضة والقيمة المضافة القليلة مددت العرض عبر طلب مواد تصنيع أكثر، مما دفع الأسعار وكان الاعتماد الشديد على الأسواق الخارجية عائقاً أمام إنشاء هيكل صناعي متوازن بشكل شامل في الصين.
وخلق أيضاً فجوة دائمة بين المنطقة الشرقية المتطورة جيداً التي ازدهرت بفضل التجارة مع الخارج والمنطقتين الوسطى والغربية الفقيرتين في الصين.
قال بان: التصادم الهيكلي أدى إلى تراكم لمرحلة تتطلب حلولا، وأضاف: تقوية اليوان هي الخيار الرشيد إذ يساعد في استقرار التضخم ويؤدي إلى تحسن الهيكل الصناعي.
اكتشفت الدراسات في مقاطعة جيانغسو (شرق الصين) أن تركيبة المنتجات المصدرة بدأت تشهد تغيرات مع ارتفاع قيمة العملة وبدأت السلع عالية التكنولوجيا ومنتجات الماكينات والإلكترونيات تأخذ نصيبا أكبر على حساب المنتجات الكثيفة العمل مثل المنسوجات والملابس ولعب الأطفال.
في منطقة دلتا نهر اللؤلؤ توقف عن العمل 2331 شخصا من العاملين في مجال الأحذية والباقون 2428، انخفضت صادرات الأحذية 15.5% لتصل إلى 1.35 مليار زوج في الأشهر الخمسة الأولى بالمقارنة مع نفس الفترة للعام 2007 ولكن القيمة كسبت 9.4% لتصل إلى 3.94 مليار دولار أمريكي.
أين النهاية؟
في هذا العام تسارعت عملية ارتفاع قيمة اليوان متجاوزة رقم 7 يوان مقابل الدولار في أوائل أبريل قبل أن يضعف قليلا أمام دولار أقوى في مايو، على كل حال سرعان ما استعاد قوته وحطم حاجز 6.9 يوان ليصل إلى 6.8919 مقابل الدولار يوم 17 يونيو آنذاك ارتفع نحو 6% في عام 2008 وحده.
مع ازدياد قوة العملة الصينية لاحظ ليو يو هوى باحث أكاديمية العلوم الاجتماعية الصينية تدفقات مالية تحت التيار تحمل أخطاراً، تدل ملاحظة المعلومات الإحصائية أن الأموال الساخنة أو أموال المضاربة قصيرة الأجل العالمية سارعت في تدفقاتها إلى الصين في الربع الأول لها صلة وثيقة بما يتوقع أنه ارتفاع أسرع لليوان.
لم تنشر أرقام رسمية تتعلق بالأموال الساخنة لكن المحللين شموا فأرا من الظاهرة الغريبة التي تجمع احتياطيات ضخمة من النقد الأجنبي وانخفاضاً لفائض الحسابات الجارية وانخفاض نفقات الاستثمارات الأجنبية في الصين.
في الأشهر الخمسة الأولى لعام 2008 ازدادت احتياطيات النقد الأجنبي 18.7% على أساس سنوي أو 268.7 مليار دولار أمريكي حسبما أظهرت أرقام مصلحة الدولة للنقد الأجنبي، اكتشف جيانغ تشينغ عالم في الاقتصاد الكلي بشركة سندات مقرها بكين ان ثمة 147.9 مليار دولار أمريكي غير واضحة في رقم زيادة احتياطي النقد الأجنبي بعد خصم الفائض التجاري والاستثمارات المباشرة الأجنبية منه.
قال ليو: إن تركيز أموال المضاربة الدولية في السوق المحلية الصينية يفرض تهديدات خطيرة لسعر صرف مستقر لليوان، وأيضا يسرق بلدا ذا سيطرة فعالة على اقتصاده الكلي.
الآراء - على أساس تعقد الوضع - منقسمة حول ما اذا كان ارتفاع القيمة سيستمر، أم إذا كان الارتفاع سيضع حدا للقلق؟ التخمينات تجري حول ما يسمى سقف اليوان.
قال تشو شياو تشوان حاكم البنك المركزي: إن الصين ستوسع تدريجيا مرونة سعر الصرف، تبعث بالإشارة إلى أن بكين ستدع اليوان يتذبذب لا أن يرتفع بلا حدود.
إن الارتفاع السريع لقيمة اليوان في النصف الأول قد يتواصل وإن القلق حول تراجع محتمل للتجارة الخارجية قد يشكل توازنا ضد الاستمرار في زيادة ارتفاع القيمة حسبما قال بنغ شينغ بون - أكاديمية العلوم الاجتماعية الصينية.
قال بنغ : هناك عوامل كثيرة في السوق تؤثر في العرض والطلب فإذا تغيرت فقد تتأرجح أسعار الصرف.