شاهدت مثل غيري من الملايين برنامجاً في الإخبارية عن (حياتهم) وكان ذلك وقت تقديم السحور تماماً؛ كان ضيف البرنامج رجلاً اسمه عوّاد، وهو رجل حصل له حادث سيارة جعل كل شيء فيه يتغيّر؛ تغيّر وجهه إلى وجه غير وجه عوّاد السابق، وذلك نتيجة كسر في الوجنتين والفك السفلي والعلوي وتحت العينين وفي مواقع أخرى من جسده؛ بقي طريح السرير وتحت العمليات الترقيعية مدّة من الزمن حتى خرج غير عوّاد النشيط القادر على إعالة أسرته الكثيرة العدد، تاه عوّاد في المجتمع بين الحاجة والفقر المدقع تماماً، وبين الحياء والحشمة من مدّ اليد للآخرين؛ ويقول عوّاد إنه أحياناً كثيرة لا يجد ما يشتري به خبزاً لإفطار وفسحة أولاده الذين يذهبون للمدرسة بلا إفطار، ويقول عوّاد، أمدّه الله بالصبر والعون، إنّ كسر ساقيه وحوضه الفقري جعله لا يستطيع أن يعمل عملاً يحفظ كرامته أمام الناس الذين ينظرون إليه وهو في حالة التلعثم عند النطق نتيجة الحادث والعمليات الصعبة التي أنقذت حياته من الموت المحقق بإذن الله، نظرة غير سوية، فصار عوّاد يمشي مهتزاً يجعل من يراه وهو لا يعرفه يظن به الظنون الأخرى، في زمن صارت النظرة الأولى هي الحكم.
عوّاد يسكن في بيت شعبي ويتورّط كثيراً لقلّة الموارد في تسديد الكهرباء والماء، أما قوت أولاده فلا طريق له إلاّ ما ييسره الله من بعض المحسنين والأقارب الذين لديهم ما يشغلهم من أولاد والتزامات عن عوّاد وأسرته التي تريد ملء الأفواه مثل غيرها أو أقل بكثير من أمثالهم.
عوّاد يفكر كثيراً في زمن عافيته وزمن انهياره في الصحة ويفكر كثيراً في أفكار تدفعه مع الحاجة وضغط الأطفال الذين يسوقونه إلى جهاز الصرف البنكي ولا يعرفون أن لا شيء لهم في ذلك الجهاز سوى حسرة عواد وبكائه أحياناً أمام صنم المال الذي لا يعرف عوّاداً وأمثاله من المعسرين حقاً.
فعلاً توقيت البرنامج جاء مع وقت السحور وهو يعرض حالة عوّاد المحزنة التي جعلتني لا أتناول طعام السحور يومها تضامناً معه وحالته عند عرضها على الشاشة، لكني لا أعرف عنوان عوّاد ولا حالته إلاّ من خلال ما عرضته الشاشة، وقناة الإخبارية لديها الخبر اليقين عن عوّاد، أعانه الله وقيّض له من يقف معه من المحسنين حقاً الذين أعطاهم الله عصب الحياة بتقويم أعصاب عوّاد الخائرة من ضغط الفقر وضغط الأطفال الذين يأخذونه إلى جهاز الصرف الآلي القريب منهم والبعيد واقعياً عن عوّاد وعنهم هم، اللهم استر المسلمين المتعففين بسترك الذي لا يهتك ...
abo_hamra@hotmail.com