تحدثت كثيراً عن الإصلاح الإداري واقتراح إستراتيجيات للتنمية الإدارية ووضع أولويات تنطلق من تحليل ودراسة الواقع الحالي لمؤسسات الدولة، وضرورة وضع الرجل المناسب في المكان المناسب، والقضاء على البطالة المقنعة وبجميع أشكالها الأخرى، والسعي الحثيث لضرورة تحقيق
الإصلاح الإداري في جميع مؤسسات الدولة تمشياً مع التوجيهات السامية بذلك.
وقد اقترحت في أكثر من مقال ومناسبة عددا من الآليات الكفيلة برفع مستوى الأداء العام عبر عدد من الآليات التي يتم من خلالها قياس الأداء المؤسسي الأمر الذي سيكفل رصدا للمعايير المطلوبة التي من شأنها إن وضعت وأحسن تطبيقها أن يتم تحسين الأداء والإنتاج معاً.
يخطئ من يظن أن التنمية عملية سهلة أوبسيطة بل هي معقدة في واقع الأمر ويقف في سبيل تحقيقها معوقات كثيرة.
ولذلك فهي تحتاج إلى الخبراء والمخططين والقادة وإلى تشريعات مشجعة وتبني واحتضان الدولة لمشروعاتها وبرامجها على أن يكون ذلك بشكل مستمر ومستديم حيث إن التنمية عملية مستمرة ومتصلة ولا ينبغي أن تقف عند حد معين.
وهذه إحدى أهم خصائصها الأساسية التي يأتي من ضمنها إشباع حاجات أفراد المجتمع المختلفة، فبخلاف الحاجات الأساسية للمواطن كالحاجات النفسية والمادية والاجتماعية، ومايتطلب ذلك من توفير وإشباع للغذاء والكساء والمسكن والماء والكهرباء والتعليم والصحة..إلخ، تأتي حاجاته المعنوية الأخرى كحفظ حقوقه ومايلحقه من تحقيق المواطن لذاته وهو بذلك يحتاج من الناحية النفسية إلى الشعور بالعدل والإنصاف والحق والانتماء والقبول والاحترام وتوافر المكانة الاجتماعية.
الأمر الذي يتطلب دون شك رفع كفاءة الدور الذي تقوم به الدولة ورفع كفاءة الموارد المتاحة والعمل على حسن توظيفها والتخطيط التنموي لها ورفع كفاءة النظم الإدارية.
يعاني القطاع العام حقيقة مشكلات كبيرة منها ما يتعلق بالنظم الإدارية، ومنها ما يتعلق بالكوادر الإدارية غير المؤهلة، هذا لا يعني عدم وجود إداريين ومتخصصين ناجحين في عملهم يبذلون قصارى جهدهم لإنجاح عمل مؤسساتهم، ولكن من الناحية الإدارية وبشكل عام نحن بحاجة الى الاطلاع على التجارب الإدارية الناجحة في الدول المجاورة والمتقدمة وضرورة الاستفادة من تجاربهم وفق واقعنا الراهن.
والجدير بالذكر أن من أهم أسباب نجاح الإدارة وضع الرجل المناسب في المكان المناسب من حيث الكفاءة والنزاهة والخبرة والقدرة على التحليل والاستنباط والاستقراء الأمر الذي من شأنه أن يضمن استمرار نجاح الإدارة المناطة به على المديين القصير والبعيد. أتحدث بعجالة واختصار عن بعض مايعانيه المواطن العادي وأقول العادي تميزاً عن غيره الذي يعتبر أمر حصوله على الخدمة التي يبحث عنها أمراً يسيراً لا يخشى دفع غرامة تأخره ولايخاف تسويف موظف في إنجاز معاملته.
إن الأمر يتطلب جهداً أكبر بكثير من سن الأنظمة التي يثني عليها الكثيرون، وفي الغالب لا يتم تطبيقها، ثم على آليات تطبيقها إن طبقت والتي لا يراعى فيها إطلاقاً توافر الحدود الدنيا من احتياجات المواطن أو من إيجاد بيئة تكفل حقوقه بشكل محترم ومهذب.
تنطلق عادةً تلك الأنظمة كما نعلم بعد حدوث المشكلة وهذا مايميزنا عن غيرنا من بلاد العالم بمعنى أننا ننتظر حتى تقع المشكلة بل حتى تستفحل مثل مايحدث عادةً عندما تقرر إدارة المرور بالتعاون مع وزارة المواصلات إغلاق شارع أو وضع إشارة مرور في تقاطع ما، أقول يأتي هذا القرار عادةً بعد أن يذهب عدد من البشر ضحية حوادث مرورية يرى عندئذ المرور ضرورة وضع إشارة مرور، لاحظوا معي أنه بعد وقوع العديد من الحوادث أي أن الأمر لايعدو كونه أمراً عادياً إن وقع حادث في اليوم، أما أن يقع أكثر ويذهب بسبب ذلك ربما ضحايا فيتحرك جهاز المرور مشكوراً بمعالجة المشكلة.
أقول نحن نتميز عن باقي دول العالم أننا لا نجهد أنفسنا بتوقع حدوث مشكلة، بل ننتظر حدوثها للبدء بمعالجتها، وفي الغالب المعالجة تكون عقيمة على حساب كرامة الإنسان حتى لو كان ذلك المواطن مخطئا فهو في نهاية الأمر إنسان يستحق أن يحترم وتحفظ حقوقه لا أن تنتهك ويهان على أيدي كثير من الموظفين الذين كانوا إلى عهد قريب يتوسلون للحصول على الوظيفة التي يعتقدون أنها أمدتهم بقوة إهانة المواطن والمقيم على حد سواء والشواهد كثيرة.
يذهب مواطن لمصلحة المياه لتقديم طلب إيصال خدمة الماء لمنزله فتنهال عليه طلبات موظف لا يملك أبجديات التعامل مع الناس ولا احترامهم وكأن مايقوم به والذي هو أساساً خدمة للمواطن يعتبرها هو تفضلاً كريماً منه يقدمه للمواطن متناسياً أن ذلك المواطن يدفع ربما أكبر ضريبة في العالم على تلك الخدمة، فهو يدفع قيمة العداد ثم عليه دفع رسم عداد شهري بخلاف قيمة ماتتفضل به مصلحة المياه من ماء غالباً مايكفي ويضطر المواطن لتعبئة خزان المياه لديه مرة أو مرتين بالشهر على أقل تقدير، ومايقال عن مصلحة المياه يقال عن شركة الكهرباء التي تعامل المواطن عبر موظفيها بطريقة لاتتناسب وإنسانيته ومع ذلك يظل المواطن بخنوعه يتوسل للموظف أن يتسلم أوراقه عله أن يحظى بتلطف ذلك الموظف لتحديد موعد تركيب عداد لمنزله الجديد وبرسم قد يكون الأعلى في العالم ثم تتوالى قصة رسم العداد مع كل فاتورة شهرية.
اذهب عزيزي القارئ لإدارة المرور لتسديد مخالفة وسترى العجب العجاب، سترى أرطالا من اللحم البشري متجمعين أمام كاونتر التسديد بدون حتى تنظيم، والموظف الذي يفترض أنه يحصل على مرتبه من المخالفات التي يرسمها المرور على السائقين أو من خلال تجديد الاستمارات أو من خلال تجديد الرخص ذلك الموظف الذي يقوم برفع صوته وكأنه يخاطب قطيعا من الغنم وأنه لن يخدم أحداً مالم يلتزم الجميع بالهدوء وبالنظام غير الموجود أصلاً ثم سرعان ماترى أن أحدهم دخل برفقة قريب أو صديق له وسدد مخالفته بكل يسر وسهولة وإياك أن تعترض فالحجز بالمبنى المجاور.
اذهب عزيزي القارئ لتصديق معاملة تخصك في وزارة الخارجية بالرياض التي ربما تحتاج إلى أن تستقل سيارة أجرة لعدم وجود موقف لسيارتك، اذهب وتأمل مايحدث هناك من معاملة من قبل موظفي التصديقات وكيف يتم معاملة من يمتلك واسطة بخلاف ذلك المسكين الذي أتى ليخدم لاحظوا ليخدم أي أن تتم خدمته.
كتابات العدل وما أدراك ما كتابات العدل لدينا، لديك تفويضان لشخصين لإنهاء معاملتين فتأتي لموظف الاستقبال الداهية الذي يقوم بتحويلك إلى كاتبي عدل مختلفين وإياك والاعتراض فتقوم بالتنقل خشية فوات دورك بين هذا الكاتب والآخر، تلقي تحية الإسلام على كاتب العدل ولا تسمع إجابة ثم يقوم برمي الوكالة على أطراف مكتبه وإياك أن تعترض.
اذهب عزيزي المواطن للبلديات وما أدراك ماالبلديات إن كنت تملك متجراً أو إن كانت حاجتك في فسح بناء او تسوير أرض تفادياً لرمي المخلفات بها الأمر الذي لن تقوم البلدية المعنية بالتدخل بذلك، عليك أن تتوسل للموظف المختص ليس لإنهاء معاملتك بل للحصول على ابتسامته ورضاه عنك وتخفيف طلباته التي طالما كانت بناءً على أهواء شخصية منه.
إن كان لديك موضوع لدى إدارة الشرطة أو المركز الذي يتبعه الحي الذي تقطنه عند حدوث مشكلة ما فأول ما يتم تبشيرك به هو أنه طالما حدثت المشكلة بالحي المجاور الذي يفصل بين منزلك وبين موقع حدوث المشكلة شارع واحد تصوروا شارعا واحدا، يُطلب منك مراجعة ذلك القسم في الحي المجاور فتذهب طائعاً إلى القسم الآخر وتنتظر بهدوء خشية الشك بك حتى يأتي دورك ثم يطلب منك أن تتقدم بصرخة توقظ النائم في المنزل المجاور، وحين تتقدم لتقديم الشكوى تفاجأ برمي دفتر في وجهك ويطلب منك أن تكتب ماحدث بالتفصيل الممل، ثم يتم توقيعه من الضابط المناوب الذي نادراً ماتراه ويطلب منك الذهاب فقد قمت بمايتوجب عليك فعله، أما القضية التي أتيت من أجلها فعليك مراجعة القسم لاحقاً للبحث فيها.
الأمثلة كثيرة والآلام موجعة من مطارات المملكة إلى منافذ المملكة إلى أمن الطرق إلى جميع الأجهزة الخدمية بالوزارات.
أجهل حقيقةً الآلية التي يتم من خلالها تعيين موظفي الخطوط الأمامية للجهات التي تتعامل مباشرةً مع المواطنين لكنني أعلم يقيناً أنهم هم الواجهة الحقيقية للبلد وهم من يشكل الانطباع الأول لدى المواطن ولدى المقيم أو المستثمر الأجنبي، ولذا علينا إن أردنا تحسين تلك البيئة أن نقوم فعلاً بتفعيل تدريب وتحسين موظفي الخطوط الأمامية لدى جميع الخدمات التي لها مساس بمصالح الإنسان سواءً المواطن أو المقيم.
إن أهم مايميز الدول المتقدمة هو معاملة مقدمي الخدمات وطريقة تعاملهم مع الجميع دون استثناء تيقناً منهم أنهم الواجهة الحقيقية لبلده فيعمل على تحسين صورته وصورة بلده ليترك أثراً إيجابياً لدى السائح والمواطن والمقيم على حد سواء حتى بتنا نسمع عند عودة السائح السعودي أن أهم مايميز ذلك البلد أو غيره هو حسن معاملة القائمين على خدمتهم من المطار إلى المطار وحتى إن واجهتهم مشكلة ما.
لماذا لا نحذو حذو تلك الدول في معالجة الأخطاء ونعترف بوجودها ونتفرغ قليلاً لمعالجتها والعمل على تحسين صورتها ونبتعد عن المحسوبيات والوساطات التي يتم من خلالها توظيف من لم يكن لديهم مايؤهلهم للعمل المناط بهم.
وما أطالب به ليس بالأمر الصعب أو من ضروب الخيال فلكم أن تتخيلوا الفرق الذي حدث بين موظفي الاتصالات سابقاً حينما كانت شركة حكومية كاملة وذات موظفي تلك الشركة حينما تحولت إلى شركة مساهمة تهتم بالربحية وكيف أن الموظف أصبح يعامل طالب الخدمة بمايستحقه من معاملة.
نظرة إلى واقع الحال تكفي لسد الخلل الحادث، ولا يمنع من اللجوء للقطاع الخاص لدراسة المشكلة وإيجاد الحلول من خلال وضع برامج تدريبية من شأنها رفع أداء الموظفين.
dr.aobaid@gmail.com