كم يحزن المرء وهو يتجول في الأسواق التجارية الضخمة والمجمعات الهائلة وهو يرى بأم عينه كل البضائع المعروضة خلف الفترينات المتلألئة التي تغريك بالشراء حتى ولو لم يكن لك حاجة بها وبالطبع هذا هو الأسلوب الحديث للعرض والطلب الذي لا اعتراض عليه ولو أنه يغيظك بالفعل عرض كل شيء قابل للشراء كالأحذية اللامعة التي تصفع (ذوق) المتسوق في استعراضها الدوراني البطيء وكذلك الملابس الداخلية التي (تخدش) حياءك الأدبي إذا كنت أخلاقياً (متزمتاً) ناهيك عن عرض كل ما يخطر على البال وما لا يخطر له إلا (الكتاب) ولربما لا يخطر على بالك الكتاب مطلقاً في هكذا (كرنفال) إلا إذا خطرت في بالك صحيفة أو مجلة لا تصل إلى البقالات التي تتكاثر في الحي الذي تقطنه آنذاك تنعطف لتسأل عن (المكتبة) في هذا المجمع (السوقي) الكبير والتي غالباً لا تجدها في هذا الزمن في هكذا أسواق وإن كانت قبلاً تتواجد متوارية خجلاً في زاوية مهملة من ذلك المجمع الكبير، أما اليوم فلم تعد تجدها على الإطلاق، وإن وجدتها (كاسم) فإنك لا تعثر إلا على القرطاسية وحاجات التلاميذ الصغار الملونة والمزركشة التي تغري بالشراء ناهيك عن تحول المكتبة في أغلب مبيعاتها إلى حاجات (أبو ريالين) لا أكثر أي أن صاحبها يحتال على ترخيصها الأساسي باعتبارها مكتبة تقترن بالكتب وما يتعلق بها لا محلاً لبيع (خرابيط أبو ريالين)!!
لذلك يعمد إلى التسويق السريع و(الماشي) كما تقول عقليته التجارية وحتى لا نظلم أصحاب هكذا (مكتبات) فإنهم وللأمانة يعرضون كتباً ولكنها لا تتعلق بالثقافة والفكر والإعلام بل بالسحر والدجل والشعوذة والأبراج وكتب (الطبيخ) وبعض المطبوعات الخاوية التي (تتستر) بالدين والدين منها براء ولكنها فوق ذلك (تُفرض) فرضاً على أصحاب تلك (القرطاسيات) لترويجها!!
***
ومن هنا فإننا نستصرخ وزارة الثقافة والإعلام وكافة الأندية الأدبية أن (تفرض) عرض المطبوعات الإبداعية للكُتّاب السعوديين حتى لو لم يشتريها (المتسوق) فهو على الأقل من خلال العرض يتعرف عليها وعلى أسماء مؤلفيها ولربما قد يأخذ إحداها ولو من قبيل الفضول و(بلاغة الشف) ثم يتعرف تدريجياً على المؤلف الذي سيغريه للتعرف على مؤلف آخر وهكذا.
ونحن حينما نقول (تفرض) لأن الترخيص التجاري لهذه المكتبات يجب أن يصدر عنها أي وزارة الثقافة والإعلام وذلك من منطلق ترويج النتاج الإبداعي الوطني وتعويد الناس على اقتناء الكتاب وإن لم يستحسن البعض فكرة (الفرض) هذه فلا بأس من فكرة (التعاون) مع تلك المجمعات لتسويق الثقافة الوطنية.
***
بقي أن نضيف أيضاً ما المانع في عرض بعض الأعمال التشكيلية للفنانين السعوديين في ممرات وردهات تلك الأسواق، ما دام أن بعضها يبيع لوحات رديئة لفنانين مجهولين كنوع من الديكور فلم لا يتعرف المواطنون على فنانيهم وشراء لوحاتهم أيضاً؟!